مزيد من الشرخ والعنف في الأسرة السورية

عاشت غالبية الأسر السورية، قبل الأزمة مشاكل عميقة لم تقتصر على الفقر، ولا على البطالة، أو التسرب المدرسي، أو زيادة عدد الأطفال.. إلخ.

لكن نمط الحياة السائد سابقاً جعل بعض هذه المشاكل محمولاً، وقابلاً للحل لمن يبحث عن منفذ يخرجه من أزمته، وخاصة إذا كانت مشاكله مادية، فسوق العمل كان يحمل الكثير من الفرص لمن يتواضع ويقبل بمهنة ما، وإن كانت لا ترضي غروره، وينطبق هذا على المشاكل الاجتماعية التي طالما وجدت محيطاً يستوعبها ويحد منها ولو شكلياً، ولا ينطبق هذا على المشاكل النفسية التي لم يهتم بها المجتمع وكثيراً ما سخر منها، وأطلق صفة الجنون على من يعانيها.

أما بعد اندلاع الحرب، وتراكم الدمار والمآسي الإنسانية الناتجة عنها، فإن المشكلات التي تعيشها الأسر السورية، على جميع الصعد، أصبحت الآن أشد خطورة، ولا نبالغ إذا قلنا إن العواقب التي ستنتج عنها مستقبلاً تزيد عليها خطورة وكارثية، فالجمر المتقد تحت نار الحرب التي لم تخمد بعد، يُنذر بكوارث إنسانية لا تقل مأسوية عن الحاضر. وما يثير الاهتمام حالياً تغلغل العنف في قلب هذا المجتمع، وهو يترك آثاره في نفوس الكثيرين ممن أصبحوا يمارسونه وينتهجونه في حياتهم اليومية داخل أسرهم، ضد أطفالهم وضد شركائهن، وغالباً ما يقع هذا العنف على النساء اللواتي بتن يتحملن العبء الأكبر في أسرهن، في ظل غياب المعيل الذي غيّبه الموت، أو أبعدته ظروف العمل، أو طالت ساعات غيابه عن البيت. ويزيد صعوبة الحال غياب الزوجين طويلاً عن أطفالهما في هذه الظروف، وما يترتب على هذا الغياب، عدا ضيق الحالة المادية، والفقر الذي تزداد رقعته يوماً بعد يوم، والخوف والقلق والترقب الدائم للمجهول.إن الشروخ التي تقسم المجتمع، تزداد عمقاً واتساعاً كلما طالت مدة الحرب، وكلما زادت أعداد ضحاياها، الأمر الذي يجعل من التئام الجروح أكثر صعوبة. كل ما تعيشه الأسرة السورية الآن يجعل الكثيرين يتحسرون على ما كانوا يعيشونه سابقاً على سوئه، ولكن يبقى الأمل في أن يجد العقلاء، من جميع الأطراف، طريقة تحد من هذا النزف ومآسيه.

العدد 1107 - 22/5/2024