لماذا الفقر؟

سبعون قناة تلفزيونية عالمية خَصّصت لمدة أسبوع،  بثاً متزامناً لبرامج تتناول الإجابة عن سؤال يُعدّ معضلة إنسانية قديمة جديدة: (لماذا الفقر)؟

عُرضت خلال هذا الأسبوع أفلام وثائقية، تبين حجم المآسي الناجمة عن الفقر في أرجاء مختلفة من عالمنا،  كما تطرقت إلى (شجاعة) بعض الفقراء في سعيهم من أجل تحسين أوضاعهم المتردية، عن طريق امتهان حرفة ما، أو الاقتراض من المصارف لإنشاء مشروع فردي، كورشة للخياطة أو مرآب لتصليح الآليات.

ورغم قرع هذه الأقنية ناقوس الخطر بسبب تزايد عدد الفقراء والجائعين في العالم،  لكنها في برامجها تجاهلت عن عمد السبب الرئيسي للفقر المتفشي لا في الدول النامية فحسب، بل في الدول الرأسمالية(الغنية) ذاتها التي تضم النسبة الكبرى من أصحاب المليارات.

 1 – لم تتطرق هذه الأقنية إلى جوهر النظام الرأسمالي المولد دائماً للفقر والتهميش الاجتماعي،  بسبب سيطرة النخب الثرية على وسائل الإنتاج، وعلى الدولة التي كرّست الاستغلال (المشروع) لجهود الطبقة العاملة والمزارعين الصغار وجمهور العاملين بأدمغتهم!

2 – سكتت جميع الأقنية عن نهب الدول الرأسمالية لخيرات الدول النامية، عن طريق الاستعمار المباشر في الماضي، وعن طريق الهيمنة الاقتصادية في وقتنا الراهن، وتحويل السكان فيها إلى أجراء لقاء قطرات من الحليب..وبضعة أرغفة، في فروع الشركات المتعددة الجنسيات، التي تزرع منصاتها الإنتاجية في هذه الدول بحثاً عن الربح الأقصى، والتي تسيطر 500 شركة منها على ثلثي التجارة العالمية،  ويفوق دخل 15 شركة منها، هي الأكبر نفوذاً من هذه الشركات،  دخل  120 دولة من دول العالم!

3 – تجاهلت هذه الأقنية برامج الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي وضعتها الإمبريالية الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي بالتعاون مع صناديقها ومنظماتها(العالمية)، وصدّرتها إلى الدول النامية، التي تنص على إلغاء الدور الرعائي للحكومات، والتراجع عن برامج الرعاية الاجتماعية للفئات الفقيرة، وتسليط اقتصاد السوق الحر من جميع القيود على رقاب السكان.

4 – أهملت هذه الأقنية تسبب الرأسمالية المتوحشة في اندلاع الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، والتي كان آخرها، الأزمة التي اندلعت في خريف ،2008 في قلعة الإمبريالية العالمية، وتشظت إلى الدول الرأسمالية الأوربية، وبقية دول العالم النامية، فأدت إلى زيادة عدد الفقراء والعاطلين عن العمل والجائعين في جميع دول العالم.

فقراء الولايات المتحدة الباحثون عن الوجبة المجانية وطلبات العون الحكومي، لن تنقذهم القروض المصرفية، فهي التي (خربت) بيوتهم.وعمال أوربا وفئاتها الفقيرة التي خرجت إلى شوارع المدن الرئيسية في إسبانيا واليونان والبرتغال وإيطاليا وفرنسا لإدانة الرأسمالية المتوحشة وموازناتها التقشفية لن يجدوا حلاً لمشكلاتهم في برامج (دعم) الفقراء، والتأهيل المهني. ومزارعو الدول النامية الذين خدعوا بوصايا منظمة التجارة العالمية،  التي حملت إليهم الفقر والجوع، لن يثقوا بعد الآن بوعود الخلاص التي تروجها منظمات العولمة المرتبطة بالإمبريالية الأمريكية.

لماذا الفقر؟ فتشوا عن استغلال الإنسان للإنسان، وابحثوا عن الآثار المدمرة لهيمنة الدول الكبرى على مقدرات الشعوب، فتشوا عن الرأسمالية..وستجدون الإجابة.

العدد 1105 - 01/5/2024