ائتلاف أعداء سورية وتعطيل الحل السياسي

لم يتأخر (عرب الجامعة) ومادحوهم من الزعماء الغربيين في الاعتراف ب(الائتلاف الوطني) ممثلاً للشعب السوري، وسارعت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إلى الاعتراف بالهيكلية الجديدة التي يسيطر عليها (الإخوان المسلمون). واستثنت الإدارة الأمريكية (جبهة النصرة) وعدتها منظمة إرهابية، بعد أن ظلت تغطي أعمالها الإرهابية البشعة طيلة أشهر الأزمة السورية، وتصمت على تفجيراتها الإجرامية التي حصدت العديد من المدنيين.

وكانت المغرب قد استضافت الاجتماع الرابع لما سمي (أصدقاء سورية)، وحضره ممثلون عن 114 دولة على مستوى وزراء الخارجية، وتغيبت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون، بسبب وعكة صحية وحضر مساعدها. ورأى معلقون أن التغيب سببه وعكة سياسية، وتخبط في السياسة الخارجية في دوائر القرار بواشنطن.

واعترف المجتمعون من عرب وغربيين ب(ائتلاف لا برنامج له)، ولا هم له إلا مواصلة التسلح والتدمير حتى إسقاط النظام، وغعلان رئيس الائتلاف ومن قبله رئيس المجلس الوطني أنه (لن يكون هناك حوار قبل سقوط النظام)، إنما يعني إصرار أطراف دولية وإقليمية على توسيع دائرة العنف ونزيف الدم السوري، ورفضها لما طرح من خطط ومبادرات وتوافقات تجاوبت مع رأي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وفي مقدمتها خطة النقاط الست واتفاق جنيف.

وقد سبق اجتماع المغرب وتزامن معه وتلا انعقاده سلسلة من أعمال التفجير الإجرامية وأعمال تدمير البنى التحتية، ومهاجمة طرق النقل المدنية، في ريف دمشق وحلب، وفي إدلب ودير الزور، ذهب ضحيتها العشرات من المدنيين. وتبنت (جبهة النصرة) الإرهابية معظمها، وبدلاً من أن تدين (جماعة أصدقاء سورية) هذه الجرائم، أعلن أقطابها دعمهم للائتلاف، وتفهموا مطلب رئيسه معاذ الخطيب الذي تمنى على الإدارة الأمريكية أن تعيد النظر في موقفها من (جبهة النصرة)، لأنها برأيه الطرف الأبرز في (المعارضة المسلحة). أما (عرب الجامعة) فقد مضوا في خط التصعيد وإرسال المال والسلاح المتطور إلى كل طرف يسعى إلى إسقاط النظام السوري بالقوة. ومن بين هؤلاء مجموعات تكفيرية سلفية، وتناست الإدارة الأمريكية وبريطانيا حروبهما المزعومة ضد الإرهاب، وصرح رئيس الحكومة البريطانية كاميرون ووزير خارجيته هيغ بأن بريطانيا تعيد دراسة مسألة تسليح المعارضة في سورية، وأن الخيارات كلها مفتوحة، وهذا تلميح إلى احتمال القيام بأعمال دون تفويض من مجلس الأمن، أو توجيه ضربات لأهداف محددة لمساعدة ائتلاف مصنع خارجياً ولا يملك نفوذاً كبيراً على الأرض.

واعتراف دول وازنة على الساحة الدولية ودول عربية خليجية لا وجود لأي شكل من أشكال المعارضة فيها ب(ائتلاف الدوحة – إسطنبول) المعارض، ممثلاً شرعياً للشعب السوري في ظل وجود حكومة سورية معترف بها ودولة متماسكة، وجيش موحد يحاول جاهداً إعادة الأمن وبسط الاستقرار في سورية، ومواجهة خطر المجموعات الإرهابية.. وفي ظل وجود تيارات معارضة عديدة تنشط سلمياً، وترفض العنف والتدخل الخارجي، وتعلن استعدادها للدخول في حوار جدي شامل، يفضي إلى حل سياسي، اعتراف كهذا يعد سابقة في العلاقات الدولية على حد تعبير رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني. وهذا التصرف يعد خروجاً على خطة النقاط الست، وعلى اتفاق جنيف، وتنصلاً من التعهدات بدعم الحل السياسي للأزمة، وهذا يعطل الجهود الجماعية ويزيد من خطورة الوضع في سورية وجوارها، على حد تعبير وزير الخارجية الروسي لافروف.

ونعتقد أن الذين نصبوا أنفسهم (مدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب)، وراهنوا أن القوة والتهديد والفوضى والتدخل وتدريب المجموعات الإرهابية وتسهيل وصولها إلى الأراضي السورية، وظنوا أنهم بجملهم الرنانة عن (ثورات الربيع العربي) وعن تصدير الديمقراطية وتغيير الأنظمة بالقوة، قادرون على تحقيق مآربهم، قد سلكوا طريقاً خطيرة، وأضافوا إلى ما ارتكبوه من احتلال ومجازر وإلى ما نشروه من دمار وفوضى في مناطق عديدة من العالم جرائم بشعة بحق الشعب السوري، بما فعلوه منذ بداية الأزمة من تصعيد، وبما انتهوا إليه مؤخراً من فرض هيكل غريب ممثلاً للشعب السوري دون استشارة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، متجاهلين معاناة السوريين وخياراتهم الحرة.

ونرى أن طول الأزمة وما ألحقته الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة من خسائر في الأرواح والبنية التحتية، قد أرهق الدولة، وخلق صعوبات وتقصيراً في تأمين الاحتياجات الضرورية للمواطنين، ولكن ذلك لم يضعف تماسك الشعب، ولم يهزم إرادة السوريين وعزمهم على الخرج من الأزمة عبر حل سياسي مشرف.

ونرى أن مواجهة الذين يريدون تدمير سورية، ودورها وحضورها ممكنة عبر تجاوز الأطراف الداخلية في الحكم والمعارضات السلمية والكتلة الشعبية الصامتة للتوجس أو الاستعلاء والانتظار، وعبر خلق قنوات حوارية متواصلة، والتجاوب مع المبادرات السياسية والأهلية التي ركزت على أوّلية الحل السياسي دون إملاءات خارجية، وعلى حرمة التراب والدم السوريين.. وأبدت تقبلاً للمشاركة في ورشة الانتقال التدريجي إلى دولة مدنية تعددية لكل مواطنيها دون أي تمييز.

العدد 1107 - 22/5/2024