النضال… قول وفعل

نتحدث كثيراً عن زواج الصغيرات، ونلوم بعض رجال الدين الإسلامي على أنّهم عرّبوها، وتكثر مثل هذه القصص عندما تدخل إلى المحكمة الشرعية وتجد فتاة صغيرة ترقص وتلعب، فتعتقد أنها برفقة والديها أو شقيقها الذي سيعقد هو قرانه، وعندما يسأل الموظف الذي يُوثق عقد الزواج عن العروس، يلتفت الوليّ إليها ويناديها ويقول: هاهي ذي العروس! فتصيب الدهشة جميع من يقفون.

لكن لا عتب على هذا، لأن موافقة القاضي الشرعي لحظتئذ تجعل الزواج سارياً وعقد النكاح صار شرعياً، وهذه الصغيرة أصبحت زوجة على سنة الله ورسوله.

وكم من مقالات كًتبت تنتقد هذا الزواج وتعترض عليه! وكم من نضالات قامت ضده لتنهيه! ووثقت ضرره على الفتاة من جميع النواحي الاجتماعية والصحية والنفسية، ولم تزل المرأة تكافح لأجل إلغائه وإنهائه بقانون مدني صحيح ينظر إليها ككيان وإنسان بحد ذاتها، لا كسلعة تُباع وتشرى في مجتمع الذكورة.

لكن الغريب ليس فقط في زواج الصغيرات، فهذا معروف أمره ومن يشجعه ويتابعه وكيفية الاعتماد على شرعيته وتقنينه، مثلما معروف كيفية مجابهة أنصاره بالحجج الشرعية لبقائه، حتى الفئة من المجتمع التي يكثر فيها مثل هذا الزواج تعتمد على بيئة وثقافة حاضنة له تكون سبباً أساسياً لاستمراره وداعماً من دعائمه.

أما المستغرب فهو في الفئة المثقفة التي تعتبر نفسها الفئة العلمانية، والجاحدة لهذا الزواج والعدو الأول له، لأنه يعتبر المرأة عبدة لا غير وليست إنسانة، وهي الفئة التي تفتخر بنضالها الأول والأزلي ضده، فهذه الفئة تُناضل ضد زواج الصغيرات وتلعنه ليلاً نهاراً وجهاراً، لكن بعض أفرادها، في سلوكهم العملي، لا يتوانى عن اتخاذ فتاة صغيرة، مهما كان فارق العمر بين الرجل وبينها، خليلة لهذا الرجل وصاحبة له، وربما زوجة مستقبلية سواء علناً أو بالخفاء.

ما الفرق بين زواج الصغيرات ومصاحبة الصغيرات؟ هل يختلف النضال هنا؟ أم أن المبدأ هو أن هذا جاء من شريعة إسلامية، فعلينا محاربته، وذاك علماني لا غبار عليه؟

وهل يختلف المبدأ هنا أم هناك، إذاً كان بالأساس موضوعه واحداً وغير أخلاقي، سواء بزواج أم من دونه؟

الاثنان سيئان وغير مقبولين اجتماعياً ولا حضارياً، لكن يمكن أن نتفهم قيام شخص من بيئة متخلفة بالزواج من قاصر أو صغيرة، بينما لا يمكننا استيعاب رجل متحضر ومثقف ويناضل ضد زواج كهذا من أن يقوم باحتضان صغيرته وجعلها خليلته وحبيبة قلبه، بدلاً من ابنة له يرعاها ويعتني بها.

وهذه المشاهدات باتت كثيرة ويراها البعض مقبولة، في مجتمعنا الشرقي، المنفصم عن ذاته، والذي يحارب لأجل فكرة نظرياً فقط، لكن عملياً يأتي بمثلها وأسوأ منها.

لن يستقيم وضع المجتمع الشرقي ولن تتقدم القوانين وتطبّق تطبيقاً عملياً وصحيحاً مادام الانفصال بين التطبيق والتنظير واقعاً قائماً، ومادام المثقف نفسه الذي يشرف على تطبيقها مستعداً لخرقها بأساليب ملتوية ومتنوعة، ودون أن يلجأ للمسميات الدقيقة المناهضة لما يتبناه.

العدد 1107 - 22/5/2024