في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الرفيق عبد الجليل بحبوح

كلمة حب لأبي فياض

 

 سنديانة أخرى سقطت.. مات أبو فياض، وكما الأشجار لا تموت إلا واقفة.. هكذا مات عبد الجليل بحبوح.

مات ولم تستطع قساوة سجن المزة في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات في القرن الماضي، وكذلك أقبية التعذيب والمخابرات في مراحل لاحقة، أن تهز كيانه أو أن تحيد به شعرة عن انتمائه لوطنه ولقضية المسحوقين في العالم التي آمن بها ونذر عمره وفكره لها.

ولم تستطع قساوة السجان أن ترى دمعة واحدة تذرف من عينه.. إنه صلب كجبال القلمون حيث ولد، وما بكى إلا لآلام المعذبين ومن أحبهم وفقدهم من رفاقه.

كان لطيفاً وبسيطاً وعميقاً، كان شهماً وشريفاً وأبياً، كان محباً للحياة، صديقاً ودوداً بعيداً عن النفاق والمواربة. وبقيت هذه الشخصية موضوع جدال، فكراً وسياسة وموقفاً، وقد شهدت حياته نشاطاته متنوعة لم تتوقف إلا بالموت.

واجه صعوبات كبيرة في عمله الحزبي وفي عمله الوظيفي، واستمر في نشاطه وعلاقاته.

كان الهم الأساسي الذي شغل باله باستمرار هو البحث عن حلول في ميدان الواقع الاجتماعي المرتبط مباشرة بالهم السياسي، لذلك نجد عنده رؤية تنظر إلى شؤون الإنسان الباحث عن عدالة اجتماعية والمناضل في سبيل تحقيقها، كي تحمل الإنسان على الانتقال من مستوى المظلوم إلى المطالب بحقه والمدافع عنه.

رافقته في دربه الطويلة زوجته الرفيقة زينب نبّوه (أم فياض)، وتحمّلت معه العذاب والمعاناة وفترات الاعتقال والسجن، ومنها استمد الأمل.. بنى الزوجان أسرة متآلفة متحابة في بيت مناضلين من أجل الوطن والإنسان.

ولما كنت شخصياً من أولئك الذين أسعدهم الحظ بالتعرف على عبد الجليل وعائلته وعلى نمط تعامله مع أسرته، وخاصة زوجته، كنت ألمس كيف يمكن تطبيق مبدأ المساواة التامة بين المرأة والرجل، دون تنظير أو تبجح أو مداهنة، وكذلك التعامل مع أولاده وأحفاده الذين أحبوه من صميم قلوبهم.. هكذا كان نمط تعامله اليومي مع الناس والحياة، مما يسعني أن أذهب إلى القول بأن عنوان هذه الشخصية لم يكن ما قام به في نضال سياسي وحزبي إلى آخر رمق في حياته، على أهمية ذلك وعلى سمو شأنه فيه، بل كان في موقفه المبدئي العام وفي انحيازه الحار إلى قضية الإنسان في بلده سورية أولاً، وفي كل مكان في العالم.

في ذكرى رحيله الأولى، أتمنى أن ينعم الوطن بأمثاله.. هذا الوطن الذي كان دائماً في عقله وقلبه وروحه.

وداعاً أبو فياض!

العدد 1105 - 01/5/2024