في ظل حصار جائر ومصاعب معيشية قرار غير شعبي سيرهق الجماهير والقطاعات المنتجة

لا نعلم حتى الآن ماهي المعطيات التي استندت إليها الحكومة حين اتخذت قرارها منذ أيام برفع سعر المازوت بنسبة تبلغ 40%؟! وهل سيساعد هذا القرار على تجاوز حالة الركود التي تعانيها قطاعاتنا المنتجة، ويخفف المصاعب المعيشية التي تطحن الجماهير الشعبية، في ظل حصار اقتصادي جائر؟!

في الماضي القريب نصحت الصناديق الدولية مسؤولي الاقتصاد السابقين بإلغاء التسعير الإداري للسلع الضرورية للمواطن، وخاصة المشتقات النفطية، وتفكيك منظومة الدعم المتعدد الأشكال للفئات الفقيرة والمتوسطة، فرفعت الحكومة أسعار المازوت والفيول والغاز، بعد أن جرى تضخيم مقدار الدعم الحكومي لأسعار المازوت لأكثر من 300 مليار ليرة سورية. واتُخذ القرار خلافاً لآراء العديد من الاقتصاديين الذين حذروا من الإقدام على تلك الخطوة، لما لها من تأثير سلبي على الصناعة والزراعة، ومستوى معيشة المواطن السوري.

فأولاً- ارتفعت أسعار المنتجات الصناعية بنسبة تراوحت بين 20 و30%، وتراجعت القدرة التنافسية للصناعة السورية في قطاعيها العام والخاص. وبدأت المعامل الصغيرة والورش والمشاغل بتسريح عمالها، ثم أغلقت بعد تراجع قدرتها على منافسة السلع الواردة من البلدان البعيدة والقريبة.

ثانياً – تراجع الإنتاج الزراعي بسبب العوامل المناخية، وأيضاً بسبب غلاء أسعار المازوت الذي يعتمد عليه مزارعو المساحات المروية، وخاصة محصول القمح، وارتفعت أسعار الأعلاف والأسمدة تأثراً بارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وانخفضت حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي من 22 إلى 14%.

 ثالثاً – ارتفعت أجور نقل البضائع بنسبة 40%، مما أدى إلى زيادة إضافية في أسعار السلع، كما ارتفعت تعرفة الركوب في وسائل النقل العام بنسبة 50%..

رابعاً – شعر المواطن السوري بعد رفع أسعار المشتقات النفطية أنه بلا سند، وأن الدور الرعائي للدولة تجاه المواطن الأقل دخلاً تحوَّل إلى انحياز لمصالح الفئات الريعية المقتدِرة، إذ أدى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى موجات غلاء رئيسية وأخرى ارتدادية لجميع السلع ذات الاستهلاك الواسع وصلت إلى أكثر من 70 %. وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 13 %. وتوسعت بؤر الفقر الذي وصلت نسبته إلى نحو 36%، لذلك كان موقف جماهير الشعب سلبياً من هذا القرار، إذ شعرت أن الهدف هو تحويل الدولة من راعية لمصالح الفئات الشعبية، إلى مدافعة عن الأقلية الثرية التي امتلكت كل شيء.

إن دعم الحكومات للطبقات الأقل دخلاً، هو مبدأ متبع في الدول الرأسمالية القديمة والحديثة، والعديد من البلدان النامية، ويأخذ أشكالاً متنوعة كالتقديمات النقدية، والضمان الصحي، وتعويض البطالة، والتعليم المجاني، ويمثل إعادة لتوزيع الدخل الناتج عن النمو الاقتصادي في تلك الدول. ففي بريطانيا بلغ متوسط نصيب المواطن من الدعم 8133 دولاراً، وفي فرنسا 8515 دولاراً، وفي الولايات المتحدة 5411 دولاراً، وفي مصر 49 دولاراً، وفي تونس 287 دولاراً. أما في سورية، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في عام ،2007 فقد بلغ متوسط حصة المواطن السوري من الدعم الحكومي نحو 118 دولاراً، وهو دعم ساعد الفئات الفقيرة والمتوسطة على تدبر أوضاعها المعيشية ليس غير، ولايرقى إلى مستوى الدعم الذي تلقته الفئات الثرية ورجال الأعمال والتجار والرأسمالية الريعية خلال العقد المنصرم، هذا الدعم الذي وسع الفوارق الطبقية، وسلم هذه الفئات مفاتيح الاقتصاد.

صحيح أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها بلادنا تتطلب زيادة القدرات المالية للدولة بعد الحصار الاقتصادي الجائر، وحزمة العقوبات التي فرضتها قوى التحالف المعادي لسورية، لكن زيادة هذه القدرات يجب ألاّ تكون على حساب الفئات الفقيرة، بل ينبغي على الحكومة البحث عن وسائل جديدة لزيادة إيراداتها، بعيداً عن تقليص الدعم الحكومي المقدم لهذه الفئات.

 وما زاد من غرابة.. وعجائبية هذا القرارهو فقدان المادة أصلاً، والإرهاق الذي يتعرض له المواطن من أجل تدبير بضعة ليترات لتدفئة أطفاله، وتوقف العديد من المصانع والورش والحرف، وتراجع دور وسائل النقل الجماعية والفردية بسبب فقدان المازوت. فهل ستتوفر هذه المادة بعد رفع أسعارها؟! ما صرحت به أوساط الحكومة أن سبب فقدان مادة المازوت هو الحصار الاقتصادي، وتعرض شبكة الطرق بين المحافظات لقرصنة المسلحين، وبالتالي فإن رفع أسعار المازوت لن يجعله متوفراً لمحتاجيه!

نحن لا نتجاهل الأوضاع الصعبة التي تعانيها بلادنا، وحالة الركود التي تواجه اقتصادنا الوطني، لذلك نطرح رأينا في هذه المسألة لا بالاستناد إلى مبادئ الاقتصاد فقط، بل استناداً إلى علاقة الاقتصاد بالسياسة.. والمجتمع.. والاستقرار.. والوضع الراهن الذي تواجهه البلاد، والذي لا يحتمل هزات عنيفة سيتسبب بها قرار غير شعبي سيترك تأثيره الصادم على معيشة الجماهير الشعبية وجميع قطاعات الإنتاج.

العدد 1107 - 22/5/2024