لعبة الحرب في زمن الحرب

يتفق علماء النفس وعلماء الاجتماع على أهمية اللعب ودوره في التكوين النفسي والسلوكي للإنسان، وتؤكد كثير من المدارس أن اللعب يساهم في نمو الطفل عقلياً ومعرفياً، فضلاً عن ضرورته للنمو الاجتماعي والانفعالي.

والطفل، كما يقال، (ينمو باللعب)، فيتعلم من خلاله كيفية التواصل مع الآخرين والمشاركة، وضرورة الابتعاد عن الأنانية، وكيفية الشعور بالذات والثقة بها. ولا نبالغ إذا قلنا إننا نستطيع الحكم على مستقبل الطفل من خلال الألعاب التي يمارسها، وطريقة لعبه مع أقرانه. وإن كانت الدراسات العلمية لم توف اللعب حقه من الدراسة الجادة، إلا أن ما تم التوصل إليه يؤكد ضرورة الالتفات إلى أهمية لعب الأطفال، لانعكاسه على شخصية الطفل وسلوكه في المستقبل.

في ضوء ما تقدم وبإسقاطه على واقع أطفالنا وألعابهم في سورية خلال الأزمة الحالية، نجد أن أطفالنا يعيشون أخطاراً كبيرة تتعدى الخطر القائم المسلط عليهم في كل لحظة، فالعنف الذي يعيشه الأطفال والمتمثل في ألعابهم يعكس في الغالب شخصيات تميل إلى العنف وترفض الآخر، وتتنافس تنافساً غير شريف، وتفرض آراءها بالقوة، وتنتهج سلوكيات غير مقبولة، كالشللية والأنانية.

كثيراً ما بتنا نشاهد أطفالاً يحملون ألعاباً على شكل أسلحة حربية، والكثير من الأطفال الفقراء صنعوا ألعابهم كأسلحة حربية من الأخشاب، يحملونها متباهين بها، في تماه كبير مع الكبار المسلحين الذي يصادفونهم في كل مكان نتيجة الوضع الراهن. لا يعرف الطفل من هذا المشهد إلا أن من يحمل السلاح هو من يملك القوة ويستطيع فرض سيطرته، فتتعزز في أعماقه هذه الرغبة في امتلاك ما يحميه ويجعل كلمته مسموعة، ويستطيع به فرض إرادته على الغير، هذا يحاكي ما يوصف علمياً بالألعاب التمثيلية التي يتقمص فيها الطفل شخصيات الكبار ويقلد تصرفاتهم ويتماهى معها.

ويجدر بنا الوقوف ضد هذه الألعاب والحد من انتشارها، وعدم التهاون في ردع من يروج لها، وإن ادعى كثيرون أن الأطفال لطالما لعبوا ألعاباً مماثلة في السابق ولم تؤثر عليهم، وأن كثيراً من المتميزين في حياتهم الآن مارسوا أنواعاً مشابهة من هذه الألعاب، فإننا نقول إن هذا صحيح نوعاً ما ولكن في ظروف غير الظروف الحالية، فالعوامل المؤثرة على طرق اللعب كثيرة، وأهمها البيئة والعامل الاجتماعي والثقافي. في الواقع السوري الحالي تكرس هذه العوامل مع غيرها مفاهيم عُنفية شديدة وتسهم في تخريب عقول الأطفال بدلاً من بناء شخصية الإنسان المواطن الصحيح نفسياً وسلوكياً.

في المقابل هناك أطفال تخلوا عن متعة اللعب وانكفؤوا على ذواتهم، منطوين، نتيجة العنف العام الذي تعرضوا له، ونتيجة العنف المسلط عليهم أثناء اللعب مع أقرانهم المتنمرين، وهو ما يلحظ في الشلل الموجودة في المدارس والحارات، حيث تتسلط مجموعة من الأطفال الأقوياء جسدياً أو مادياً على غيرهم ممن هم أصغر منهم أو أضعف منهم، لتمارس عليهم أشكالاً كثيرة من العنف، بذريعة اللعب، وكثيراً ما دعت هذه الطرق إلى تسرب أطفال من المدرسة، لما يتعرضون له من سخرية وإساءة من رفاقهم.

إن الألعاب التي يبدعها الأطفال حالياً جديرة بالوقوف عندها لدراستها والعمل على تصحيح ما خربه العنف في نفسيات أولادنا وعقولهم، فليس من الطبيعي أن يقوم الأطفال بحفر قبر أثناء لعبهم، أو حمل طفل أخر على خشبة والسير به كجنازة!

إن كل ما يحدث لا يبرر لأصحاب القرار سواء في وزارة التربية أو الإعلام والقائمين على برامج الأطفال وغيرها من القنوات والبرامج المؤثرة أن يهملوا هذا الجانب، أقلّها من خلال توعية الأهل والمدرسين، وعليهم أن يقوموا بمسؤولياتهم تجاه الأطفال لحمايتهم حتى من لعبة الحرب في ظل الحرب.

العدد 1107 - 22/5/2024