يا سلام سلّم عَ سلامهُم يا سلام!

(السلامَ عليكم) عبارة نستخدمها لإلقاء التحية والسلام، عبارةٌ قصيرةٌ لكنها تختزل روح شرقنا ونَفَسَهُ.

سلامٌ نتمناه بوفرة، بحلول عيد ميلاد ملك السلام، ورأس السنة الجديدة، سلامٌ لطالما طلبناه بأمنيتنا الكلاسيكية في المناسبات العامة لنقول: (نتمنى السلام لفلسطين الحبيبة)!

لكن! آه وألف آه من لكن، فمع تفشي دائرة الحروب وتوسع دوائر العنف صرنا نتمناه للعراق، لمصر، لتونس، للبنان، للسودان ولسورية الحبيبة أيضاً، بالمختصر سلامٌ للوطن العربي وللشرق الأوسط.

سلامٌ أضعناه وأضعنا معه بوصلتنا وذاتنا، وها نحن أولاء نزداد ضياعاً بالفوضى والفتن والاضطرابات.

فها نحنُ أولاء نتخبط بين سلام نبحث عنه من جهة، وبين عنف هو كالنار التي تشعل بارود الحروب من جهة أخرى.

فالسلام كفكرة دعت إليه الأديان السماوية و(السَّلام) اسمٌ من أسماء الله تعالى. أضف إلى ذلك الكتب والكراسات المدرسية والأناشيد والقصص التي تناولت السلام، ومراكز خاصة ومؤسسات تعنى به وبنشر ثقافته.

وكلمة Paix بالفرنسية وتقابلها  Peace بالإنكليزية عبارتان تستخدمان لبث الروح الإيجابية والقيمية والتحية.

أما العنف فهو بالتعريف: أي شيء ممكن أن يسبب أذى للآخر؛ كلمة، نظرة، تصرف وصولاً إلى الضرب أو القتل.

وله أنواع عديدة مثل: العنف الجسدي، العنف المعنوي، المجتمعي، وغيرها.

و سياسة اللاعنف واللاحرب كان لها أبطالها المعاصرون، كغاندي ونلسون مانديلا…

بالمختصر السلام هو القاعدة والعنف هو الشواذ، السلام للبناء والازدهار، العنف للتشتت والتدمير، السلام يوحّد والعنف يُفرق.

وللأسف نحن هنا في سورية، بسبب النزاع الدائر، لانزال تحت سقف الوطن والعنف أيضاً، فحبل الموت والعنف يضغط على أرواحنا.

عنفٌ فظيعٌ ولا يصدق، عنفُ أتانا كالوباء وأي وباء، عنفٌ غريبٌ على حياتنا و(ما غريب إلا الشيطان) كما يقول المثل، عنفٌ يؤكد يوماً بعد يوم أن بين الحرب والسلم هناك شوطٌ طويلٌ من الموت والدمار.

فآلاف من القتلى والجرحى وأعداد مهولة من اللاجئين والنازحين، أضف إلى ذلك الأضرار بالبنية التحتية للبلد والبنية النفسية للإنسان ويا للمصيبة !! هذه المعطيات المأساوية  تحكي حكاية العنف البشعة على أرضنا، تحكي ألماً، تحكي موتاً، تحكي بلداً كان و(كان يا ماكان) بلداً للمحبة والسلام.

أما بعد، فما العمل؟ فالحزن والندب والأسف لن يُجْدوا نفعاً ولن يعمروا وطناً ولا بيتاً.

لذلك علينا أن نفكر باستراتيجيات جديدة لبناء الأرض والإنسان، ولكن كيف لنا ذلك ونحن ندور في دوامة لا تنتهي من العنف والانتهاكات للبشر والحجر؟

عليكم بالسلام! هل فوجئتم؟ نعم، السلام، لأنه ليس لنا إلاّ وقف العنف من جميع الأطراف ليحل السلام بيننا من جديد.

 لنبني بالسلام، لنعمر بالأيدي، بالحجر، بالفكر والعقل، بالمصالحة والحوار والسلام.

ولكي نبني السلام علينا أن نبني الإنسان أولاً بجو من السلام، ففاقد السلام لا يعطيه. علينا أن نربي أبناءنا وأنفسنا على التواصل اللا عنفي،على ثقافة السلام القوي الشجاع، لا السلام الخاضع الجبان.. السلام الذي يحقق أرضية للتواصل والتعاون والبناء.

علينا أن نبدأ بذواتنا، بعائلاتنا، بأصدقائنا، بعملنا، وكلٌّ حسب قدرة تأثيره لنكبر دائرة السلام بالقول والفعل، فنحن صنّاع السلام في سورية الجديدة. علنا نساعد الديبلوماسيين واللاعبين الدوليين الذين يسعون للسلام في سورية كلٌ حسب نيته والله أعلم بالنوايا! وهنا أتذكر أغنية للراحل الكبير وديع الصافي اسمها (أرضي عم بتقاسي) يقول مقطع منها: (أرضي عم بتقاسي حاجتها حرام/ بيكفيها مآسي ووعود وكلام/ طلاب المدارس وجراس الكنايس، والجندي والفارس وأصوات الأذان/ كلن عم يصلوا تيعود السلام… ويا سلام سلِّم ع سلامهم يا سلام!).

وأخيراً يا بلدي، أتمنى لكِ سلاماً يلون سمائك، سلاماً يجدد شبابك، سلاماً يوحد أوصالك .

وأيضاً وأيضاً أتمنى أن تأتينا يوماً حمامة السلام حاملةً غصن الزيتون وتبشرنا كما بشرت نوح سابقاً بانتهاء الطوفان، بأن المحنة قد ولت وعبرت المصيبة وعاد السلام إلى أرضنا كما كان.

 والسلام عليكم والسلام.

العدد 1107 - 22/5/2024