شوارع

نزلت شوراعك المزينة يا صديقتي دمشق، أسمع صوت تراتيلك المرحّبة بميلاد طفلك يسوع، أناس تمشي ذهاباً وإياباً لتشتري زينة الشجر وملابس الأعياد ونجوم الشرفات، وجدت مجموعة من الناس تقف هناك جانب تلك المغارة تأخذ الصور مبتهجة، مسحورة، مفتخرة بمجيء الحدث العظيم… أسمع أصوات الأجراس الخاصة بحامل هدايانا بابا نويل، صوت ضحكته يملأ الحي مع فرحة الأطفال لرؤيتهم بلحيته البيضاء وثيابه الحمراء وهداياه المبهجة، أرى هناك طفلاً متحمساً جداً لرؤية بابا نويل، وفي الوقت نفسه باكياً لأنه يخافه فلا يستطيع الاقتراب منه، لكنه يريد هديته.

الأهالي هناك حائرون ما نوع الضيافة التي سيقدمونها؟ وما نوع غذاء العيد الذي سيصنعونه، أهو ديك رومي أم أطباق أخرى متنوعة، مفكرين مع من ستكون ليلة العيد؟ وهناك مجموعة شباب وصبايا يتشاورون: في أي مكان سوف يقضون سهرة العيد؟ ومع أي أشخاص سيستقبلون الفرح القادم؟ سمعتهم يضحكون ويسيرون بكل حب في كل مكان من ذلك الشارع، شاهدت مسيرة (البابا نويلات) مع صوت كشاف يعزف ألحان الميلاد وأفراح المجيء.

 رأيت الناس مستعجلين وفرحين ومتأهبين وحائرين ومنذهلين! ولكن من دون الفرح، رأيتهم في الشارع نفسه وقد خفتت الأضواء وسكتت التراتيل وصمتت الضحكات وتوقفت الموسيقا.. ورحل الميلاد، أو لم يأت الميلاد… سألت الناس عن ما يحدث حولهم، وأين هو ذاك الحلم الجميل؟ فأتتهم من فوقهم طلقات القدر.. لا أحد منهم علم ما حدث، فجأة وجدوا أنفسهم بين الحزن والألم، بين الموت والقدر، بين العزلة والكراهية… بحثوا عن طفل الميلاد، فلم يجدوه، نادوه فلم يسمعهم، صرخوا له وتضرعوا لكنه كان بعيداً جداً عنهم… تعبوا الحديث مع المزود، وحين تأملوه وجدوه فارغاً.. تساءلوا أين هو طفل المغارة وأين ولادته المجيدة؟ فأجابهم صوتٌ من صميمهم خرج: وأي مولودٍ تنتظرون وقد ملأ الكره أعماقكم؟ أي فرح تتأملون وقد نسيتم أن الآتي سماويٌّ وعليكم ألا تتعاملوا مع مجيئه كحدثٍ أرضيّ… أسمع صراخكم كله ولكن كضجيج، رتبوا أفكاركم، أحبوا بعضكم، آمنوا بمحبة لا بتعصب، كونوا ثماراً مخلصين… فأنا ها هنا أمامكم ولا ترونني. تركتمونني في الظلام والبرد والجوع واليأس دون سؤال أو اهتمام… انظروا أولادي المشردين في كل مكان أليسوا عطاشاً وجياعاً ومتعبين هناك؟!

حديث الطفل لم يكن لفئة، بل سمعته يخاطب أولاده السوريين، بكل أطيافهم، وأفكارهم، بكل تفاصيلهم، وجميع جميع اختلافاتهم..

ناديت من قلبي متوجعة: ألا يحقّ لهذه البلاد أن تعاد إليها قلوبها وضحكاتها وسهراتها وأمانها؟! تعبت شوارعنا حزنها، اشتاقت إلى دعسات التسالي لا ركض الخوف، اشتاقت إلى صوت الفرح لا صوت الموت، تسعى أن تحمي أولادها لا أن تغمرهم بترابها..

رأيت الميلاد يهرب من أيدينا وقلوبنا ومآقينا…

سمعت أن روز استشهدت، وعمرو سُجِن، ووئام مرهقة ومريضة، وأن شاباً قد بردت صداقته مع أعز أصدقائه، وفتاة ظُلمت من أعز أحبابها، وأخاً لا يأبه بأقرب ناسه، وغنيّاً هرب، وفقيراً قتله الجوع، وأمّاً بكت أطفالها……

بأيِّ حالٍ جئتَ يا عيد؟!

يا نجمة الميلاد شعّي فإنّا لك لمنتظرون ومحتاجون!!

العدد 1107 - 22/5/2024