الأزمة السورية بين التدويل والتعريب

تخفت أصوات المتفائلين المنادين بالحل السياسي، أمام أصوات المتشددين الداعين والداعمين للحل العسكري. وهناك خطوات تصعيدية، تتمثل في استمرار تقديم الدعم المالي والعسكري، وفتح المعابر الحدودية الإقليمية، وتقديم التسهيلات لتهريب السلاح والمسلحين إلى سورية.

وكان شهر آذار حافلاً باللقاءات السياسية الدولية، لبحث الأزمة السورية وتقديم المبادرات للوصول إلى حل يُخرج سورية من هذا النفق المظلم.

ولم تجرِ الرياح بما تشتهي سفن المتفائلين الطامحين إلى إيجاد حل سياسي، ولا سفن المتشددين الحالمين بأن القتال والعنف ونزف الدماء، سيُخرج سورية من هذا الظلام. وبين التدويل والتعريب تزداد كثافة النيران والحرائق وغبار المعارك، وتسيل الدماء في شوارع المدن. ويزداد التدمير وتخريب البنية التحية في المناطق التي يتسلل إليها السلفيون الجهاديون من عرب وأجانب.

لقد حمل وزير خارجية الولايات المتحدة السيد كيري المتَّهم بالاعتدال، رسالة واضحة لا لَبْس فيها ولا تحتمل التأويل والتفسير، بل تتضمَّن ما يسمى ب(سياسة المراوغة)، وفتح اليدين والترحيب بمن ينفذ سياسة واشنطن، سياسة الإمبريالية الأمريكية الممنهجة منذ عقود ولا جديد فيها، والتي تعمل ضد مصالح شعوب المنطقة، ومهمتها تحقيق أمن إسرائيل واستقرارها. وإذا كانت الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون تكرر مقولاتها بالنسبة للأزمة السورية، وتبشّر بسقوط النظام بصوت عالٍ ووقاحة، فالسيد كيري يردد المقولات نفسها لكن بصوت أقل حدة!

والتهبت حناجر معظم وزراء الخارجية العرب، خاصة (الحمد والعربي) في دورة (الخير والبركة رقم 139) في فندق قرب مطار القاهرة، بعيداً عن مركز العاصمة المصرية التي تشتعل بالحرائق، وتلتهب مدنها بالاعتصامات والاحتجاجات. هذه المنظمة العربية التي تأسست منذ 68 عاماً، تحوَّلت إلى منظمة معادية للقضايا العربية العادلة. وتبنَّت سياسة عدائية لسورية في أزمتها الراهنة بقيادة (مشيخة قطر). وجاء صدور الكتاب الفرنسي للمؤلفَيْن (جورج مالبروتو وكريستيا شينو)، إذ أكد المؤلفان (أن أمير قطر يعتبر المعركة شخصية. ويعلم أنه إذا نجا الأسد فالشيخ سيدفع الثمن، لذلك يوظف كل طاقته بغية إسقاطه… وإذا طال عمر الأزمة السورية، فقد يهتز التوازن الداخلي في الدوحة).

لقد جاء البيان الختامي الصادر عن اجتماع الوزراء العرب مخالفاً في الجوهر لميثاق الجامعة العربية. ومتنكراً للمبادئ التي وقّع عليها المؤسسون، ولوثائق الجامعة ومؤتمرات قممها المنعقدة طوال العقود الماضية.

ومن قال إن للجامعة العربية الحق في تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية المسلحة؟ وفي أن تعطي الحرية لأي دولة عربية بتقديم السلاح للمنظمات الإرهابية، التي تقاتل كما جاء في البيان (قوات الرئيس بشار الأسد) إذا رغبت في ذلك!

وهل يحق لهذه الجامعة المهزلة، أن تمنح مقعد سورية الدولة المؤسسة، لما يسمى (بالائتلاف الوطني المعارض في الخارج)، شريطة (تشكيل هيئة تنفيذية لهذا الائتلاف… لشغل المقعد بالجامعة ومنظماتها ومجالسها وأجهزتها للمشاركة في القمة العربية المقبلة في الدوحة خلال يومي 26 و 27 آذار الحالي)، حسب تصريح الأمين العام الفائض الكرم نبيل العربي.

وعارض هذه النقاط عدد من الوزراء العرب، وأكدوا أن هذه القرارات تخالف ميثاق الجامعة العربية، باعتبار ذلك يشكل سابقة خطيرة في تاريخ الجامعة ويتناقض مع ميثاقها. وقد يفتح الباب أمام مطالبات مماثلة في حركات المعارضة لدول أخرى في الجامعة. وهذا ما عبَّر عنه وزير خارجية العراق.

وتؤكد المادة الثامنة من ميثاق الجامعة أن: (تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها).

لقد تخلَّت الجامعة عن أهدافها، لا في هاتين السنتين فقط، بل منذ عقود. وأصبح ميثاقها تحت رقابة الإمبريالية الأمريكية والأوربية وإسرائيل، ويحتاج إلى توقيع هذه الدول. وتنفذ الجامعة العربية أيضاً توجهات سلطة النفط والمال، في الوقت الذي أُصيب فيه معظم وزراء خارجية العربان بالزكام من شدة رائحة النفط ولمعان اليورو والدولار..!

العدد 1105 - 01/5/2024