عامان على الأزمة وباب الحل السياسي لا يزال موارباً

عامان محمّلان بالألم، ونزف الدماء والشهداء وألوف الضحايا والأرامل والأيتام وملايين النازحين داخل سورية وخارجها، والأبنية المدمَّرة ومئات المجاميع المسلحة التي تعبث بالبنية التحتية العامة والخاصة تخريباً وتدميراً .. وخسائر قُدّرت بنحو 4,48 مليار دولار، أي ما يعادل 7,81 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لسورية عام 2010. أما إجمالي الخسارة فيتوزع: 50 في المئة خسارة من الناتج المحلي الإجمالي، و43 في المئة أضرار في مخزون الرأسمال، و9 في المئة زيادة في الإنفاق العسكري.

ومع حلول الذكرى الثانية للأحداث في سورية، يظهر خلف غيوم الأزمة حل سياسي ناتج، كما يبدو من التقارب الروسي – الأمريكي. وقد تراجع الموقف الأمريكي درجة واحدة أو أكثر، إذ لم يكرر المسؤولون الأمريكيون اللازمة (الأسطوانة) برحيل الرئيس الأسد، عندما قال السيد كيري:(نريد أن يجلس الرئيس الأسد والمعارضة إلى طاولة المفاوضات، بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تمَّ التوصل إليه في جنيف).

ويبدو أن الموقف الأمريكي يخضع لعملية المد والجزر. ففي الوقت الذي يدعو فيه البيت الأبيض إلى الحل السياسي، وإجراء المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة، نشرت صحيفة (واشنطن بوست) مقالة تكشف زيف السياسية الأمريكية. فهناك تحوّل رئيس في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الأزمة السورية عن طريق إمداد (الثوار) بالمدرعات ومضادات الرصاص وتدريبات عسكرية. وهذا الموقف المراوغ يتقاطع، بل ويدعم الموقف الفرنسي- البريطاني  الداعي للحل العسكري، وتقديم السلاح للمعارضة، إن وافق الاتحاد الأوربي أو لم يوافق! وليس هناك ما هو جديد، فهاتان الدولتان الاستعماريتان، منذ بدء الأحداث وهما تدعمان المعارضة بالمال والسلاح والتدريب والاستخبارات. وهذا الإعلان يكرّس سياسة تقسيم سورية. ويصب البنزين في موقد الأزمة السورية ويزيدها اشتعالاً ونزفاً، واتساع مساحة الحرائق في المنطقة وامتدادها إلى بلدان الجوار.

ويرى الرئيس الفرنسي (صاحب النظرية الاستراتيجية )، أن الحل الدبلوماسي يجب أن يوازيه دعم مناسب للمعارضة، يمكّنها من تحقيق إنجاز ميداني له قيمة.

هناك اتجاهان متقابلان ومتضادان وحلاّن متصارعان (سياسي وعسكري). الأول يعتمد على وثيقة جنيف، وأن تكون طاولة الحوار دون شروط مسبقة هي الفيصل. وعلى هذا الأساس شكلت الحكومة السورية لجنة للحوار تتألف من خمسة وزراء. وتطالب روسيا المعارضة بتعيين لجنة الحوار والاتفاق على مكان اللقاء. أما الاتجاه الذي يدعو للحل العسكري فيتمثّل بالدرجة الأولى وبحماسة شديدة، بفرنسا وبريطانيا. والثلاثي النكرة (قطر وتركيا والسعودية). ويقوم هذا الثلاثي بالتحريض والتهديد بقطع الإمدادات بالمال والسلاح، وتقديم الإغراءات المجزية لاستقطاب أكبر عدد من المعارضة. وقد استبقت قطر اجتماع إسطنبول في 18 آذار الحالي، وأعلنت على المكشوف قطع المساعدات المالية عن الائتلاف. وأبلغت الحكومة القطرية معاذ الخطيب، أنها ستوقف بدءاً من مطلع آذار الدعم المالي الثابت.

إن اشتداد الصراع وتصعيده إلى حدود التأزم، انعكس انعكاساً مباشراً على مواقف المعارضة الخارجية. ونتج عنه وجود تعارضات وإفرازات في صفوفها. فمعاذ الخطيب الذي يؤكد أن تشكيل حكومة مؤقتة سيؤدي إلى تقسيم سورية (شمال وجنوب)، قد اعتذر عن حضور اجتماعات الائتلاف أكثر من مرة. والطرف الآخر المتخندق في المعسكر الخليجي- الأوربي، يهدد بإقالة الخطيب من الرئاسة. ووضع الأمين العام للائتلاف مصطفى الصباغ إصبعه على الزناد وأطلق تصريحاً حدد فيه الموقف النهائي وقال:(إن الحكومة المؤقتة هي الحكومة الشرعية التي تمثل السوريين، وهي الضمان الوحيد لعدم تقسيم سورية).

إن الحل السياسي والأزمة تخطو الخطوة الأولى في عامها الثالث، يظل الخيار الوحيد الذي يمكن التوافق عليه لإنقاذ سورية، ويلاقي الترحيب من أوساط إقليمية ودولية، ومن المعارضة الوطنية السورية، ومن جميع القوى السياسية التقدمية والديمقراطية، ومن مختلف مكونات الشعب السوري، حوار ينتهي بعقد مؤتمر وطني، يحدد طبيعة المرحلة الانتقالية، ويصدر عنه ميثاق يحدد مستقبل سورية المدنية الديمقراطية العلمانية.

العدد 1105 - 01/5/2024