الماضي لا يشفع لهم: يستبعدون السوريين… ويدّعون صداقتهم!

الأوربيون أدمنوا النفاق منذ أن داعب حلم الاستعمار والإلحاق خيال روادهم الأوائل.. في الزمن القديم. فكوّنوا إمبراطوريات تتوزع على قارات العالم القديم.. ونهبوا إرادة وثروات شعوب بأكملها. وذاق شعبنا العربي مرارة نفاقهم، بدءاً من سعيهم إلى تحقيق حلم الصهاينة الأوائل في فلسطين وتقسيم الوطن العربي، مروراً بعدوانهم الثلاثي على مصر، وانتهاء بتحالفهم المشين مع الإرهاب السلفي التكفيري لتصدير (ديمقراطية) إقصائية.. تحت عباءات سوداء في سورية والبلدان التي نزلت شعوبها إلى الشوارع باحثة عن الحقوق والعدالة والديمقراطية الحقيقية.

وما كان لورثة الإمبراطوريات الاستعمارية أن يمضوا في تجاهلهم لإرادة الشعوب، لولا أن انضمت إلى جوقتهم الولايات المتحدة الأمريكية، قلعة الرأسمالية الحديثة، فقادتهم إلى امتهان العربدة السياسية، والانتقائية البغيضة التي تتلطى خلف الشعارات الإنسانية الخادعة لتمرير مصالحها المعادية للشعوب المضطهدة.

في المسألة الصينية تجاهلوا إرادة مليار صيني، وأعطوا تمثيلهم لأقلية عميلة في (فورموزا).. وفي فيتنام صموا آذانهم عن مطالب الفيتناميين، ودخلوها غازين بعد أن اعترفوا بحكومة في الجنوب لا تمثل إلا طغمة عسكرية مأجورة.

وفي فلسطين تنكروا لحقوق الفلسطينيين المشروعة في دولتهم المستقلة، وساندوا الإرهاب الصهيوني المنظم لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتاريخه.. وفي العراق تحالفوا على تدمير قدراته واحتلاله تهت شعارات (ديمقراطية).. فكيف يصدّق البعض حرص هؤلاء على الديمقراطية في سورية أو أي بلد آخر؟ وكيف يسعون إلى تحقيق هدفهم (الإنساني) بغياب إرادة الإنسان السوري، الذي عانى وصبر وناضل من أجل الديمقراطية الحقيقية منذ عقود؟! وها هو ذا يرى حزمة من (المرضيّ عنهم) يخترعون ديمقراطيتهم الإقصائية، ويضعونها أمامه بقوة السلاح والتأييد الأمريكي المناور والأوربي المنافق.

من أعطى شرعية تمثيل الشعب السوري لهذا أو ذاك، بغياب وثيقة التمثيل الشرعية، وهي صناديق الاقتراع؟ وكيف، وهم (رسل) الديمقراطية، يتجاهلون إرادة شعب بأكمله، ويمنحون (بركتهم) لقلة لم تجسد يوماً طموح السوريين إلى الديمقراطية، والتقدم، والعدالة؟

هذا لا يعني أن شعبنا المكافح كان يعيش نعيمه خلال العقود الماضية، فقد تراكمت الإنجازات مع الأخطاء، وساد الأمن مع غياب التعددية، والإقصاء، وتجاهل الآخر، وطغى الانفتاح الخارجي على الانفتاح على الداخل، واستفادت قلة من ثروات البلاد. لكن هذه شؤونٌ سورية.. يحلها السوريون دون تدخل جوقة الردح الأمريكية الأوربية، ودون وصايا ورثة الحق الإلهي في محميات الخليج، وأحفاد (أرطغرل) الانكشاريين.

تريدون تمثيلاً حقيقياً لإرادة السوريين؟ لنذهب إلى طاولة الحوار وإلى صناديق الاقتراع، ودعونا من مسرحياتكم وممثليكم ومخرجيكم.

إن أصدقاء سورية الحقيقيين هم من يساعدون الشعب السوري على تلبية متطلباته السياسية الديمقراطية الحقيقية، وتحقيق تنميته الشاملة، واختيار قيادته وممثليه الشرعيين عبر صناديق الاقتراع، لا عبر مؤتمرات صداقة خادعة، الهدف منها تزييف تمثيل الشعب السوري وصب الماء في طواحين الإرهابيين، كما جرى في روما منذ أيام.

ولا ندري هنا هل اقتنع الأمريكيون أخيراً بصوابية التوجه الروسي نحو الحل السياسي للأزمة السورية، فجاء التفاهم الأخير بين الرئيسين أوباما وبوتين على إنهاء أزمة السوريين بالطرق السياسية، أم أن الأمريكيين يناورون كعادتهم؟!

ودون التقليل من أهمية التغير الطفيف الذي  ظهر ويظهر في المناخ الدولي لصالح تغليب الحلول السلمية، فإننا مازلنا نؤكد ضرورة متابعة الجهود المخلصة لعقد الحوار الوطني الشامل، وضرورة تهيئة عوامل نجاحه بحضور جميع أطياف الشعب السوري السياسية والاجتماعية والدينية والإثنية، في الداخل والخارج، فتوافق السوريين يبقى العامل الأساسي لتفكيك أزمة بلادهم، وإنهاء محنة الشعب.

العدد 1104 - 24/4/2024