الاتجار بالبشر على الطاولات من جديد

يعود الحديث عن الاتجار بالبشر هذه الأيام نظراً للتزايد المستمر والمتنوع في حالات الاتجار، التي تساهم الحرب الدائرة بزيادتها وفتح المجال أمامها، بوصفها جريمة منظمة مستمرة في غياب الضبط اللازم للحدود نتيجة الفوضى الدائرة..

فمنذ أن صدر المرسوم رقم 3 لعام 2010 لمكافحة الاتجار بالأشخاص، حرصت معظم الوزارات المعنية أن تضع بنوده ضمن خططها، كوزارة الداخلية والعدل والسياحة والشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام وغيرها كي تضمن الحكومة أكبر قدر من تنفيذه بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، وقد أديرت العديد من الجلسات والحوارات للتعريف بإدارة مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في سورية، وحقوق الضحية والآثار النفسية والاجتماعية، وتقنيات مقابلة الضحايا وإدارة الحالة، وتقييم واقع مواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص على الصعيدين المحلى والعربي.

وحرصت سورية منذ البداية على تكريس المبادئ العامة التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في قوانينها الخاصة، مثل الانضمام إلى بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، وقد جاء في البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل تأكيد على حماية الأطفال من الاتجار بهم وبيع الأعضاء، وسورية انضمت إلى كل تلك الاتفاقيات الحامية للمرأة والطفل بشكل خاص.

وقد تضمن التشريع السوري إنشاء إدارة متخصصة في وزارة الداخلية لمواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص، بالشراكة مع المنظمة، وتعتبر التجربة السورية جيدة في مجال مواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص، فهي لم تغفل العناية بضحاياها وقد أنشئ مأويان لحماية ضحايا الاتجار بالأشخاص في كل من دمشق وحلب، بالتعاون ما بين المنظمة الدولية للهجرة ووزارة الشؤون الاجتماعية، وقد عني معهد القضاء بتدريب عدد من القضاة للتعرف على جرائم الاتجار بالأشخاص ونظام الإحالة إلى المآوي وحقوق الضحايا، والتمييز بين هذه الجرائم والهجرة غير المشروعة، ودور القضاء في توصيف جرائم الاتجار بالأشخاص وتحديدها، وأهمية تنظيم وتوفير قاعدة مرجعية للمعلومات والتحقيقات والبيانات الإحصائية وتزويد الجهات المعنية بها، واتخاذ  التدابير المناسبة التي تكفل ممارسة الرقابة وتنسيق التعاون الدولي مع المنظمات المعنية وفقاً للاتفاقيات الدولية التي تكون سورية طرفاً فيها.

وعرّف المرسوم الاتجار بالأشخاص أنه يعني  استدراجهم أو نقلهم أو اختطافهم أو ترحيلهم أو إيواءهم أو استقبالهم لاستخدامهم في أعمال أو لغايات غير مشروعة مقابل كسب مادي أو معنوي. وقد اعتبر بحكم الاتجار بالأشخاص الاستخدام الجنسي للأطفال بأي شكل من أشكال الممارسة، كما حدد المرسوم العقوبات المترتبة على ذلك، وضمن حقوق الضحية وحماية الشهود، وشدد العقوبة التي تصل من 7 سنوات إلى 15 سنة سجناً، وغرامة من مليون إلى 3 ملايين ليرة سورية. وهي جريمة ذات طابع دولي وعابرة لحدود الدول، لذلك من الصعوبة القضاء عليها نهائياً لكن من الممكن السيطرة على انتشارها من خلال المراقبة والمتابعة..

أما الحرب الدائرة في سورية فهي مسرح خصب  للعصابات والخلايا  الناشطة والنائمة التي  تعمل على الاتجار بالبشر، كلَّ أنواع هذا الاتجار، بدءاً من الأطفال وليس انتهاءً بالأعضاء البشرية..لذلك لا بدّ من تفعيل كل ذلك العمل القائم منذ سنوات، وعدم التساهل بأي حجة من الحجج، فالخطر أكبر بكثير من التوقعات، فهي كارثة إنسانية بكل مستوياتها..

العدد 1107 - 22/5/2024