التهجير بوصفه حاجز آخر أمام العثور على عمل

نعم، نحن هنا في مركز الإيواء منذ أكثر من عام تقريباً، بعد أن خرجنا من منزلنا الذي لم يبقي لنا فيه سوى بعض الذكريات الجميلة، فقد بات مجرد أحجار مهدمة وركاماً قد هبط فوق قلوبنا وحطّم أملنا بالعودة إليه، والآن ليس لنا في هذه الدنيا سوى المكان الذي نقيم فيه في المركز، وهي غرفة اقتسمناها مع عائلة أخرى، وقد أصبحنا معا كالأهل، فالطعام نتقاسمه والأحزان والأفراح باتت مشتركة فيما بيننا فهو واجب على كل منا تأديته، وهذا الذي افتقدناه مع الأقارب الذين بيننا وبينهم صلة دم وقرابة، لأنه بشكل عام القريب يخفي ما بداخله ويتحدث بلسان مختلف عما يشعر به، فالشماتة تستحوذ عليه وقت حزنك والحقد يتملكه وقت فرحك، وهذا هو الواقع المر الذي أوصلنا إلى هنا، وأنا أتحدث عن وضع عائلتي ومن يشبهها، فلم نكن نختلط بالناس كثيراً، فالقريب والبعيد في الكفة نفسها، فكنا مكتفين بأنفسنا فقط خوفاً من طعنات الغدر من القريب قبل الغريب، لكن عندما اضطررنا وجلسنا في المركز وفيه نحو مئة عائلة، وكلنا من بيئات مختلفة، شعرنا بالخوف وتوقعنا المزيد من الألم، فلم نتكلم مع أحد من المقيمين، وهنا أتى دور العائلة التي اقتسمنا معها الغرفة، فقاموا بتقديم الطعام لنا وكل شيء نحتاجه وهدّؤوا من روعنا وخوفنا أيضاً، وكل هذا وهم لا يعرفون عنا شيئاً سوى أن حالتنا وحالتهم واحدة، فقد تهجّرنا وتركنا منزلنا وساقتنا الظروف نفسها إلى هذا المكان لنكون فيه معاً، بمرّه قبل حلاوته.

ولكن أتعجب بعد كل هذه المآسي التي حدثت معنا أن هنالك أشخاصاً لم تؤثر بهم هذه المأساة، فيقفون بعيدين وكأن كل ما يحدث لا يعنيهم، ومنهم أرباب العمل الذين يرفضون أن يعمل لديهم شخص يعيش في مركز للإيواء!! بحجة أنهم يعتبرون المنزل فقط هو مكان الإقامة المعترف به..

ومن إحدى الحوادث أنه تقدم اثنان للعمل لدى إحدى الشركات، وكان أحدهما يعيش في مركز الإيواء لكنه يملك مهارات كبيرة تؤهله للعمل أكثر من الشخص الآخر، لكن رب العمل رفض توظيفه لديه بذريعة أنه يعيش في مركز الإيواء، وقد سأله الشاب: ما الفرق بين المهجّر والذي يقيم في منزله إذا كان يمتلك المؤهلات؟ لكن لا جواب، وهو حال الكثير من الشباب الذين يعيشون في مراكز الإيواء، ويرفض أصحاب العمل أن يعمل لديهم أيٌّ منهم ليبقوا عاطلين عن العمل لا حلّ أمامهم سوى الصبر والمحاولات المتكررة للعثور على أي عمل ضمن مجتمع مازال رغم كل ما يحدث يفتقر للشعور بالآخر..وهذا يعيدني إلى كل حالنا، فلا يشعر بالمرّ إلا من يتذوقه، ولا يحنّ علينا إلا الذين يعيشون مثلنا وبألمنا..

العدد 1107 - 22/5/2024