«قباب» القرماني تنادي زوارها

اشتهرت دمشق منذ القدم بحمّاماتها التي كان يتسابق المعماريون القدماء في زخرفتها وإكسائها، حتى أضحت تلك الحمامات إحدى المعالم التاريخية لأقدم مدينة في التاريخ ماتزال مأهولة، ويذكر المؤرخون أنه بني في دمشق أكثر من 160 حماماً، لم يبق منها إلى اليوم إلا القليل، فقد تهدم العديد منها وتحول بعضها إلى مستودعات للتجار، فيما لايزال بعضها يستقبل الزوار ولكن بأعداد قليلة خاصة بعد ارتفاع أسعارها في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها السوريون اليوم.

حمامات عديدة بنيت في دمشق وكل منها يحكي قصصاً وذكريات من حكايات تحفظها حجارة الحمام، ومنها حمام القرماني الذي يقع في موقع مميز في وسط العاصمة شرق ساحة المرجة، وهو ما جعل منه مكاناً مناسباً للزيارة في السابق، حتى صار من أكثر حمامات دمشق ارتياداً ونشاطاً لموقعه القريب من فنادق سوق ساروجة العديدة حيث يكثر الغرباء عن العاصمة، وبقي الحمام يعمل بشكل مقبول حتى عام ،1990 إلى أن أهمل في ذلك التاريخ السوق العتيق المجاور له والذي كان يشكل المدخل للحمام.

يتوسط حمام القرماني الأثري العائد إلى العصر العثماني حديقة صغيرة تشكلت بعد هدم (السوق العتيق) حوله في دمشق، كما أنه يعد أكبر حمام دمشقي، تبلغ مساحته نحو500 متر مربع، وهو بشكل مستطيل (20م/25م)، كما أن للحمّام فسحة خارجية بعرض خمسة أمتار.

يتألف الحمام من القاعة الباردة (البراني)، وهي باحة على شكل صحن تتوسطه بحرة من الحجر المزّي، وتحيط به أربعة أقواس، تستند عليها قبة مستديرة فيها ثماني نوافذ كان زجاجها ملوناً بالأحمر والأخضر والأصفر، وكانت القبة والمثلّثات الكروية التي بين الأقواس في خمسينيات القرن الماضي موشاة برسوم نباتية وأزهار وتزيينات نباتية متناظرة ومناظر لمدينة دمشق، بحيث كانت من أجمل قباب حمامات دمشق، وقفلة القبة على شكل فقاعة محاطة بالنوافذ، وهناك القاعة المعتدلة (الوسطاني) والقاعة الداخلية (الجواني).

ويتميز القرماني عن باقي الحمامات الدمشقية بقبابه، فهو يحتوي على 12 قبة بجانب القبة الكبيرة، وجميعها مزوّدة بفتحات للإنارة، تتيح دخول أشعة الشمس عبر القَمَرات الموجودة في هذه القبب.

ويبقى حمام القرماني كغيره الكثير من الأماكن الأثرية المنسية في بلد يزخر بأوابد أثرية نسيتها السياسات الحكومية، وأتت الأزمة فقضت على الكثير منها، وهي التي شكلت، لعقود طويلة، جزءاً مهماً من التراث السوري، وهو ما يتطلب سياسة حكومية لترميمها وتقديم القروض الميسرة لأصحابها ليقوموا بإعادة تأهيلها وتطويرها، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار القادمة.

العدد 1105 - 01/5/2024