حكاية أم ومأساة الأيام

كانت أم أحمد تعيش مع أبنائها الثلاثة  أحمد ومحمد وأمير، لكن ظروف الحياة أجبرت ولديها الكبيرين على ترك تعليمهما والبحث عن عمل خارج البلاد، لأن الأب توفي إثر جلطة قلبية وحالتهم المادية صعبة جداً، وأما الابن الثالث وهو الأصغر سناً فكان في الخامسة عشرة وكان يحب الدراسة وأمه تشجعه على ذلك وتقول له: ادرس جيداً وعوض عن أخويك اللذين تركا الدراسة كي يؤمنوا لنا حياة كريمة نستطيع العيش فيها.

ودائماً الأم تحاول الاتصال بابنيها أحمد ومحمد كي تطمئن عليهما، لأنها تشعر بغصة في قلبها عندما ترى أمير والآخرين بعيدين عنها، وتحاول دوماً الاتصال لكنه نادراً ما ينجح بسبب الظروف، وفي كل مرة تتمكن من الاتصال تخبرهما عن اشتياقها وحزنها لفراقهما، ويغلب عليها البكاء وهي تحادثهما، لكن الظروف السيئة هي التي تحول دون القدوم ورؤية أمهما، فالعيش بكرامة لا يمكن دون عمل وتعب في الحياة. ومع مرور الأيام أصبحت الحياة أكثر، صعوبة فأصوات النيران في كل مكان، وأصبحت تشعر بالمزيد من الخوف والوحدة،  لكنها قررت أن تكون شجاعة وأن تقوّي قلب ابنها الصغير مع الدعاء الدائم، وتأكيدها أهمية متابعته  تعليمه في المدرسة، لكن في قلبها تشتعل نيران من الخوف كلما ذهب إلى المدرسة وعاد إلى أن  تسمع دقاته على الباب، ودائماً تنظر وتترقب ساعات رجوع ابنها وولديها وتفكر بأحوالهما. و في يوم من الأيام ازدادت الصواريخ والقذائف والرصاص، وذلك بعد مغادرة أمير المنزل وهو ذاهب إلى المدرسة، وبدأت أم أحمد تندب على ابنها، وهي تشاهد وترى ما يحدث لحظة بلحظة، لأنها غير قادرة على الوقوف حتى على عتبة باب بيتها، وفجأة يأتي خبر عاجل: قصف عشوائي  على مدرسة ابنها واستشهاد العشرات، فبدأت تهجيء الخب،ر وعندما عرفت مضمونه بدأت تركض في الشارع بحثاً عن ابنها وتنادي إلى أن وصلت إلى المشفى، فسألت عنه الأطباء فقالوا لها: إنا لله وإنا إليه لراجعون!

بدأت تقاتل كل من ترى أمامها غير مصدقة وفقدت وعيها، فقد أصابها انهيار عصبي، وعندما سمع ولداها تدهور الأوضاع قررا الرجوع فوراً ليطمئنا على أمهم، فركبا الطيارة وأقلعت، وعندما وصلا إلى الحدود لم يجدا من يوصلهما إلى القرية إلا سيارة  متهورة واصطدمت على الطريق بسيارة أخرى فانقلبت، وماتا، يا حسرتا! لم يستطيعا الوصول إلى بيتهم وملاقاة أمهما ومواساتها، وبينما الأم مستلقية على السرير بين النوم والصحو، سمعت الممرضة تتحدث وتقول: يا للمصائب التي حلت بهذه المرأة رغم استشهاد ابنها الصغير وصلنا منذ قليل أن ابنيها توفيا بينما هما قادمان إليها،  إثر حادث سير، فسمعت الأم الحديث الدائر، فلفظت أنفاسها الأخيرة..

هكذا كانت نهاية الأم وأبنائها، بعدما صبروا وتحملوا الصعوبات، فكانت نهايتهم حزينة ومؤلمة!

العدد 1105 - 01/5/2024