أمّ الحياة

إنه عيد الأم الذي نحتفل به كل عام تكريماً للأم، وتقديراً لما بذلته لعائلتها، فيفكر كل طفل بهدية يعطيها لأمه،وتنتظر الأم أطفالها يأتون إليها وتضمهم. أما الأم التي فُقد أولادها فتنتظر صورة أو خبراً عن أحدهم، وهذه هي قصة (أم عامر) التي كان لديها ثلاثة أولاد وابنة وحيدة، كبر أولادها وذهب الأكبر لخدمة العلم والدفاع عن الوطن، ومع كل ما يحدث كانت هي تذوب حزناً عليه وشوقاً إليه، وفي أحد الأيام بينما كانت تنظف البيت، ارتجفت يدها فجأة ووقعت المكنسة من يدها، وما هي إلا دقائق حتى سمعت صوتاً من بعيد يأتيها: (افرحي يا أم ها قد أتيتك شهيداً)! قرع الباب وإذا برجل يقول لها: (افرحي يا أم عامر لقد استشهد ابنك، لا تحزني بل زغردي)! وبدأت أم عامر بالبكاء والزغردة معاً، وبدأ أهل الحي برش الورود والياسمين، حاملين النعش الذي لم تستطع أن ترى ما بداخله، ومرت الأيام وحان دور أخيه في خدمة العلم، لم تنطق أم عامر بأي كلمة أمام إصرار ولدها ورغبته العارمة بأن يكون بطلاً كأخيه، وقالت له: (اذهب يا بني حماك الله، دافع عن وطنك وارفع رأسي عالياً مثل أخيك)! ومرت الأيام والشهور وكثرت الأخبار السيئة، ووصلتها رسالة من صديق ابنها تقول لها: (ابنك قد اختفى منذ شهور ولا نعرف عنه شيئاً، لكننا نبحث عنه في كل مكان). ومضت عليها أيام قاسية وإذا بها في أحد الأيام تسمع زغاريد في الحي وأصواتاً تقول: (إن الحرب قد انتهت)! وعاد الأولاد من الجيش والأمهات تحضنهم، لكنها هي بقيت تنتظر، وأثناء انتظارها رأت ملازماً قد رفع على الأكتاف مهللين له، فقد قضى على وكر للعدو، وكان بطلاً عظيماً استطاع أن يدمّر أماكن سكن بها العدو، وعندما مرّ بها قال لها: (كيف حالك يا أم الأبطال؟) أجابته: (بخير هل تعرفني؟) قال لها: (أنت أم البطل عمار)! سألته: هل تعرف أخباره؟ قال لها أنا هو يا أمي، لكن الحرب القاسية غيّرت مني بسبب الجروح والكدمات، ونزل من على الأكتاف يضمها ويقبلها، صرخت: ابني حبيبي! الدموع انهمرت على وجهها والفرح لم يتسع له الكون كله.  وللمصادفة كان اليوم التالي هو عيد الأم، وتكريماً لها ولابنها الشهيد سميت مدرسة في الحي باسم الشهيد عامر.. وفي المساء كان طيف عامر يمر بجانبها يلقي التحية عليها وهي تبتهج به، يعايدها في عيد الأم..

ما أعظم الأمهات ونساء العالم وما أجملهن عندما يلتقين في جبهة واحدة تمتد من الأفق إلى الأفق، للنضال والعمل لتحرير الوطن والتقدم الاجتماعي والسلم العالمي، والعمل لدرء الشرور عن هذا العالم المظلم.. فكل عام وكل النساء في العالم بألف خير!

العدد 1105 - 01/5/2024