الفلسطينيون والذكرى الـ66 للنكبة

يستقبل الفلسطينيون الخامس عشر من أيار كل عام، ذكرى نكبتهم الوطنية، التي شردت الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، بوصفها كارثة وطنية وإنسانية لم تشهد البشرية مثيلاً لها بحق شعب اقتلع من أرضه، لتستوطنها عصابات ومستوطنون، وهجّر إلى بلدان الشتات والاغتراب القريبة والبعيدة أيضاً. كما يمارس بحق من تبقى من الفلسطينيين على أرضهم التاريخية سياسة تمييز عنصري جائر، حولتهم إلى لاجئين على أرضهم وحرمتهم أبسط الحقوق الوطنية والإنسانية والأخلاقية، في انتهاك فظ لكل الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية، وخلافاً لأعوام النكبة الفلسطينية السابقة، فإن السنوات الثلاث الماضية حملت الكثير من المآسي الإضافية، وحلت على الشعب الفلسطيني في وطنه وفي المهاجر وبلدان الاغتراب القسري.

فقد انعكست سلباً المتغيرات التي شهدها العالم العربي في سنوات (الخريف العربي)، وفي الصدارة منها تراجع الاهتمام الرسمي العربي، وفي حدود ليست قليلة، الشعبي أيضاً، بالقضية الفلسطينية، بوصفها القضية المركزية وعنوان الصراع العربي – الإسرائيلي.. في الوقت الذي أكدت فيه هذه المتغيرات وإفرازاتها السلبية، في كل دولة على حدة، وفي مجمل الحالة العربية، حجم تداخل الوضع الفلسطيني بمحيطه العربي، وتأثره الجدلي الكبير والاستراتيجي، بما يحدث في بعده القومي.. وتأثر اللاجئون الفلسطينيون الذين يشكلون 65% من الشعب الفلسطيني، وخاصة في بلدان الجوار، التي تستضيف النسبة الرئيسية منهم، بانشغال هذه الدول بأوضاعها الداخلية، أو انعكاسات الحالة العربية العامة عليها أيضاً. وشكلت في العديد منها مأساة جديدة للاجئين وبخاصة مخيماتهم، وللوضع الفلسطيني في بلدان الشتات، في الوقت الذي حاولت فيه منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني تحييد اللاجئين ومخيماتهم عن تداعيات هذه المتغيرات وأبعادها.

كما عكس تراجع الاهتمام العربي، إثر هذه التفاعلات، بالقضية الفلسطينية نفسه سلباً على الحالة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 مناطق السلطة الفلسطينية، التي تصنف العالم العربي عمقاً استراتيجياً لها، كذلك أوضاع الفلسطينيين ما وراء الخط الأخضر (أراضي عام 1948)، الذين تتأثر حركتهم الوطنية عملياً، بالوضع الفلسطيني عموماً، وفي نهوض منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، والسلطة الفلسطينية في أراضي عام 1967 تأثير وفعلهما وإمكاناتهما أو تراجعه.

ولا نتجاهل هنا الاستفادة الإسرائيلية الصافية من تبعات الانقسام الفلسطيني، ومن هذه المتغيرات العربية، ومن انشغال العرب رسمياً، وفي حدود ما شعبياً، بهذه المتغيرات المستمرة منذ ثلاث سنوات، وتجلت هذه الاستفادة في ازدياد وتيرة الاستيطان وتهويد الأراضي من جهة، وفي إصرار حكومة تل أبيب على اعتراف الآخرين بها دولة يهودية (يهودية الدولة الإسرائيلية) من جهة ثانية.. فضلاً عن تجاهلها حق العودة، والقرار الدولي رقم 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين.. هذه الاستفادة الإسرائيلية الصافية، مرة أخرى، تترافق مع تراجع التعاطي الدولي، إثر هذه المتغيرات، مع الحالة الفلسطينية، وانفراد الولايات المتحدة بالحل السياسي على المسار التفاوضي الفلسطيني- الإسرائيلي، بديلاً للجنة الرباعية الدولية، وانحيازها للجانب الإسرائيلي، وهذا ما أكدته مؤخراً جهود جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، وخطة اتفاق الإطار التي طرحها، قبيل انتهاء فترة التسعة شهور، وتوقف استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في أواخر شهر نيسان الماضي.

وإذ يسجل لهذه الأعوام القليلة الماضية، تبعاتها السلبية على القضية الفلسطينية، وإضافتها مأساة جديدة تضاف إلى نكبة عام 1948 في ذكراها الـ،66 فإنه لابد من الإشارة إلى العديد من المسائل الهامة فلسطينياً، ومنها:

* انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة، بوصفها عضواً مراقباً، وأهمية هذا الإنجاز.

* تقديم دولة فلسطين طلباً رسمياً للانضمام إلى 15 منظمة ومؤسسة واتفاقية دولية، والموافقة على هذه الطلبات.

* إعلان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في دورته 26 (26-27 نيسان الماضي، عن اتخاذ قرارات متقدمة سياسية وتنظيمية، وبضمنها وقف استئناف المفاوضات، واعتماد أسس جديدة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، والإشراف والمرجعية الدولية ليها.

هذه المسائل وغيرها التي يقويها ويعززها الوضع العربي المتعافي، خطوة نحو تعاط دولي أكثر توازناً، من شأنها المساهمة في إعادة الاعتبار والاهتمام بالقضية الفلسطينية، واستعادتها لمكانها العربي والإقليمي، وبضمنها حل مأساة النكبة- الكارثة، التي يصر الفلسطينيون، ومعهم كل الأحرار والشرفاء ودعاة الحرية والاستقلال والديمقراطية في العالم، على إحيائها في ذكراها الـ66 والتأكيد أن الحقوق لا تموت بالتقادم، فالفلسطينيون بعد 66 عاماً على نكبتهم أكثر تصميماً على تجاوز مآسيهم الجديدة، وتجاوز تبعات السنوات العجاف الثلاث الماضية أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024