لا أوهام لدى السوريين وخيارهم وقف النزيف… والتوافق

الرفض الشعبي للمسلحين يتزايد وينتقل من محافظة إلى أخرى

مستقبل سورية لن يكون إلاّ ديمقراطياً.. تقدمياً.. منفتحاً على كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية

 

أثبتت السياسة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، وفلسطين وسورية خاصة، كم كان واهماً من راح يؤذن بعد خطاب أوباما في القاهرة، لبداية عهد جديد من التفهم، وعودة الوعي إلى المنطق الأمريكي حول المشاكل الكبرى التي تواجهها البشرية، وقد استند هؤلاء إلى ما جاء في ذلك الخطاب من (غزل) أمريكي لمشاعر العرب والمسلمين، ومقاربة (بلاغية) للأزمات السياسية والديمقراطية والإنسانية التي تزخر بها مجتمعاتنا العربية.

من كان واهماً من إخواننا الفلسطينيين عاد إلى رشده بعد سنوات من انتظار المعجزة، فهاهو ذا أوباما يقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة معلناً تعهداته بضمان أبدي لأمن إسرائيل، داعياً دول (الجامعة) العربية إلى تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل (اليهودية) كما أسماها، مطالباً الفلسطينيين في الضفة والقطاع والشتات، بتفهم قلق إسرائيل وخشيتها من التخلي عن الأراضي الفلسطينية التي قضمتها، وعودة الشعب الفلسطيني إليها.

أما من كان واهماً من السوريين، فقد لمس بهلوانية السياسة الأمريكية المعادية قولاً للإرهاب، والمغذية له فعلاً، بعد دخوله المتسلل إلى سورية، بهدف تصعيد أزمتها، ومصادرة سياستها الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية. وقيادة الولايات المتحدة لتحالف أوربي تركي خليجي، يسعى إلى ترتيب إقليمي جديد، يطمئن شيوخ النفط، ويُدخل العامل الإسرائيلي إلى النسيج العربي، عنصراً أساسياً في (استقرارها وهدوئها). إنه ترتيب إقليمي يريدونه منطقة نفوذ للقطب الأمريكي الذي مازال يحاول أن يتفرد بتوجيه مسار السياسة العالمية. ويطمحون إلى جعل هذا الشرق مهادناً للعدو الصهيوني بعد انتفاضة الحجارة وثورة الأقصى وثبات الموقف السوري الرافض للصفقات المنفردة. الشرق الذي تجتاحه انتفاضات جماهيرية واسعة، تعبر عن مطالب سياسية ديمقراطية واقتصادية واجتماعية مشروعة، وتفتح الآفاق نحو تكتل عربي مقاوم للعدوان الصهيوني، وداعم لحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير.

في 28 تشرين الثاني 2005  بعد اغتيال رفيق الحريري بثمانية أشهر تقريباً  كتب شارلز غلاس في صحيفة (ذي ناشن) الأمريكية تحت عنوان (من بيروت إلى دمشق) يقول: (من الواضح أن سورية سيكون دورها في المرحلة التالية بعد العراق في المعركة الأمريكية /الإسرائيلية من أجل الشرق الأوسط الجديد).

وفي شباط 2006 كتبت (راشيل مارشال) في مجلة (واشنطن ريبورت) مقالة عنوانها: (هل ستكون سورية هي الهدف التالي بعد العراق!) استعرضت فيها التطورات وتصريحات كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وتوصلت إلى استنتاج أن الحرب الأمريكية المقبلة ستكون في سورية ولكن من دون الجيش الأمريكي. وأضافت: إن إدارة بوش واجهت الفشل في العراق وفي الداخل الأمريكي، وإن الحل الأقرب لدى الإدارة الأمريكية سيكون بتحويل الاهتمام الشعبي إلى مغامرة جديدة في سورية.

ويعبر شارلز غلاس  وهو كبير مراسلي ABC نيوز في (الشرق الأوسط)  عن اعتقاده بأن الإدارة الأمريكية تميل كثيراً إلى إضعاف سورية، لأنها تراها تهديداً محتملاً لإسرائيل.

لقد أكدنا على صفحات (النور)، كما أكد غيرنا أيضاً، أن الإمبريالية الأمريكية لن تصبح صديقة للشعوب، وستبقى المسبب الرئيسي لجميع الأزمات والمشكلات الكبرى التي تواجهها شعوب العالم، لذلك سعينا منذ بداية الأزمة السورية إلى حل سياسي يأخذ بالحسبان وقف نزيف الدماء السورية بالدرجة الأولى، وتحقيق المطالب السياسية والديمقراطية والاجتماعية المشروعة لجماهير الشعب السوري، بعيداً عن تدخل الأمريكيين.. والأوربيين وشركائهم في المنطقة. لكن من ادعى تمثيل إرادة السوريين من معارضي الصالونات والفنادق والميكروفونات ومتلقي المكرمات الخليجية في الخارج، وحلفائهم في الداخل المستفيدين في كل يوم من استمرار نزيف الدم السوري، المنساقين طوعاً إلى تحقيق المشروع الأمريكي الصهيوني، أرادوا حل أزمة السوريين عبر إخضاعهم وتهديم دولتهم، وتحويلها إلى إمارة ظلامية، يقودها أمراء الظلام ومصدّرو الفتاوى.. الذين أزالوا أقنعة الدفاع عن (الديمقراطية) في سورية، التي خدعت البعض، وأعلنوا دون لبس مرجعيتهم كفصيل من فصائل تنظيم القاعدة.

مستقبل سورية لن يكون إلاّ ديمقراطياً.. تقدمياً.. منفتحاً على كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية من منجزات وقيم نبيلة، وفئات الشعب السوري المختلفة لن تقع في شباك الظلاميين، فقد خبروا في الماضي تآمر هؤلاء على نسيجهم الاجتماعي والديني المتآلف، وهاهم أولاء يعلنون في مسيرات كبرى، حتى في المناطق التي دخلتها المجموعات التكفيرية السوداء انحيازهم إلى جيشهم الوطني السوري، كما حدث أكثر من مرة في مدينة حلب، وبالأمس في مدينة الرقة حيث تظاهروا مطالبين بخروج جبهة النصرة والمجموعات المسلحة الأخرى، وثقتهم بجيشهم السوري.

السوريون اليوم، وهم يحتفلون بذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادهم، يقولون لجميع المتدخلين.. المصعّدين لأزمتهم:

كفى، فدماء أبناء الشعب السوري لن تبذل إلاّ في معاركه الوطنية، ودفاعاً عن استقلال بلاده!

كفى.. فقد أدى الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضه التحالف المعادي لسورية، إلى تفاقم المصاعب المعيشية والاجتماعية، وأنتج مناخاً ملائماً لتجار الأزمات والفاسدين، وسارقي قوت الشعب. ولولا الدعم الحكومي لأسعار المواد الأساسية، ومنها المشتقات النفطية والخبز، الذي نطالب باستمراره دعماً لصمودنا في مواجهة التدخل الخارجي والفتنة الداخلية، لاستحال على الفئات الفقيرة والمتوسطة تأمين لقمة عيشها!

كفى.. فنحن نعرف طريقنا إلى حل أزمتنا بالطرق السياسية.. السلمية عبر حوارنا الوطني الشامل، بمساهمة ممثلي جميع القوى السياسية والاجتماعية والدينية والإثنية، وبضمنها المعارضة الوطنية السلمية في الداخل والخارج، وتوافقنا على ميثاق وطني يتضمن جميع مطالبنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المشروعة!

الفرصة متاحة اليوم أمام الجميع للمساهمة في تفكيك الأزمة السورية والتغيير السلمي، ووضع الملامح الرئيسية لمستقبل سورية، الديمقراطي التقدمي المعادي للإمبريالية والصهيونية، ولكل أشكال القهر السياسي والاجتماعي.الشعب السوري تألم بما فيه الكفاية، وآن لجميع من تعز عليهم سورية، أن يلقوا السلاح.. ويستجيبوا لصوت العقل، فإعادة إعمار البلاد يتطلب الكثير.

العدد 1105 - 01/5/2024