الحكومة الاستثنائية… ماذا فعلت؟! لم تنجح في ضبط الأسواق.. فشلت في تحقيق وعودها

 

 

 كتب المحرر الاقتصادي:

في الأزمة العاصفة التي تمر بها بلادنا، وبعد المحاولات المحمومة التي يمارسها التحالف الدولي المعادي لسورية لتضييق الخناق عليها، برزت أمام الحكومة مهام فرضتها طبيعة هذه المرحلة، مرحلة الصمود.. وإعادة ترتيب الأوّليات.

إن منطق مواجهة الأزمة التي واجهت بلادنا وشعبنا، يفرض على الحكومة مهما أطلق عليها من تسميات، أن تكون حكومة استثنائية.. حكومة لمعالجة الأزمة وآثارها.. وتداعياتها الداخلية والخارجية. لذلك توقفنا نحن في (النور) عن النظر إلى (حكومة الأزمة) كسلطة تنفيذية مكلفة بتتبع مسار ما.. أو توجه مُعيّن نصت عليه بنود الدستور.. أو السياسة العليا للدولة. ولم نطالبها في هذه المرحلة بوضع مسارات جديدة.. وخطط اقتصادية واجتماعية تنموية، واكتفينا بمطالبتها بحل المعضلات الناجمة عن الأزمة والحصار الاقتصادي الجائر، وتسيّد كبار المحتكرين والفاسدين وتجار الحروب الأسواق، في مرحلة غابت فيها الدولة بوصفها طرفاً فاعلاً في العملية الاقتصادية تنفيذاً لقاعدة تشريعية وقانونية وضعتها رؤية الحكومات السابقة لمستقبل الاقتصاد الوطني، والتي يمكن اختصارها باعتماد الوصفة السحرية: السوق الحر.. وعدالة الرأسمال!

ما ذكرناه ليس انتقاصاً من دور الحكومة في حياة البلاد، بل وقفة موضوعية مع الظروف الاستثنائية التي تواجهها.. وأهمية تركيزها على تأمين المتطلبات الضرورية لصمود بلادنا، وحل الأزمات الآنية الملحة، التي تواجه القطاعات المنتجة، والمعاناة الرهيبة التي لحقت بالجماهير الشعبية، وتأجيل بحث.. ووضع الخطط الاقتصادية والاجتماعية الاستراتيجية الكبرى، إذ يبدو أن تأمين مستلزمات تنفيذها شبه مستحيل بغياب الاستقرار.. والأمان.. والإمكانات.

عوامل صمود السوريين في وجه الحصار الاقتصادي، حاضرة لدى الفلاح والعامل والصناعي والحرفي، فهم سيتابعون إنتاج المحاصيل والسلع الضرورية للمواطن السوري بالاعتماد على الذات، وهذا ما أتقنوه في منعطفات سابقة مرَّ بها اقتصادنا الوطني، لكن إجراءات ضرورية طالبنا الحكومة باتخاذها كي تساعد المنتجين السوريين على مواجهة الحصار الجائر، والاستمرار في الإنتاج لتلبية حاجات السوق السورية، عوضاً عن استيرادها من الخارج في هذه الفترة العصيبة، وأهم هذه الإجراءات:

1- تأمين مستلزمات القطاع الزراعي، الذي هو السند الرئيسي لأمننا الغذائي، وخاصة تسهيل حصول المزارعين على المازوت اللازم لعملية الري بالسعر المدعوم، وتسهيل حصول المنتجين الصناعيين والحرفيين على مستلزمات الإنتاج المستوردة سابقاً من الدول الأوربية، من أسواق بديلة، عن طريق اتفاقات حكومية مع البلدان الآسيوية، وبلدان أخرى صديقة كروسيا وإيران، وإعفاء هذه المستوردات من الرسوم والضرائب.

2 – ضبط الأسواق المحلية، ومنع المحتكرين والسماسرة من استغلال الأزمة التي تمر بها بلادنا لجني الأرباح غير المشروعة، والحرص على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، خاصة من المشتقات النفطية، ولو تطلب الأمر تدخل جميع الأجهزة الحكومية الرادعة، وتشديد العقوبات على المحتكرين وتجار الأزمات واللاعبين في سوق العملات السوداء.

3 – تأمين استمرار تدفق الإيرادات المالية لخزينة الدولة، لا عن طريق الإعفاء من الغرامات فقط، بل عن طريق تشديد العقوبة على المتهربين ضريبياً، وكذلك الممتنعين عن دفع ضريبة الأرباح والريوع، وإعادة النظر بالتشريعات الضريبية، وضبط النفقات الجارية، ومساعدة القطاع العام الصناعي.. والمرافق العامة على الاستمرار في الإنتاج لزيادة فوائضها الاقتصادية، ووقف تمويل صفقات المستوردين لمواد غير ضرورية، ومنع استيراد الكماليات، وتفعيل مؤسسة التجارة الخارجية.

4 – استمرار الحكومة في دعم الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة العمال والمزارعين الصغار، والمتقاعدين، عن طريق دعم أسعار المازوت والمواد التموينية، فلا يجوز أن يدفع هؤلاء وحدهم فاتورة الأزمة الاقتصادية.

ماالذي تبين للمواطن بعد شهور من اجتماعات الحكومة.. وأجهزتها.. وقراراتها، وتصريحات الوزراء المعنيين:

1 – لم تنجح الحكومة في ضبط الأسواق، وارتفعت أسعار جميع السلع والخدمات، وبرزت فئات من المحتكرين والسماسرة والفاسدين الذين استغلوا الظروف الصعبة، وجمعوا المليارات.

2 – سقطت السياسة النقدية للحكومة أمام حفنة من المضاربين والمتاجرين بالقطع الأجنبي، وتراجع سعر الليرة إلى مستوى قياسي.

3 – فشلت أجهزة الحكومة في تحقيق وعودها.. ولم تستطع تأمين المتطلبات الأساسية للمواطن، وخاصة المازوت والغاز بالسعر المدعوم، وإن نجحت جزئياً في تأمين الرغيف، في حين توفرت هذه المواد في مستودعات المحتكرين والفاسدين..!

4 – إشارات عدة أطلقت عن إعادة النظر بسياسة الدعم الحكومي، أدت إلى ارتفاع أسعار المواد والسلع أكثر فأكثر، ولجأ المحتكرون إلى احتكار المواد الرئيسية للإنتاج والاستهلاك تمهيداً لجني مليارات إضافية بعد رفع أسعار المشتقات النفطية.

5 – احتارت الحكومة في كيفية معالجة الأوضاع الاقتصادية، فتارة تقف مع الصناعيين في طلباتهم لتأمين مصانعهم أو نقلها إلى أماكن آمنة، وتعد بمساعدتهم في تسهيل حصولهم على مستلزمات الإنتاج، وتارة أخرى ترفع أسعار الفيول من500,13 إلى 000,50 ليرة سورية للطن، لتوجه ضربة قاضية للمصانع الباقية، التي صارت تستخدم الفيول بدلاً من المازوت.

6 – تبين للفئات الفقيرة والمتوسطة أنها أصبحت بلا سند حقيقي.. فالحكومة لم تعد ترعى مصالحها، وتدافع عنها، بل تركت الأمر للسوق.. وللفوضى.. وللمزاجية.. وللفساد.

7 – تحكم التجار والسماسرة بمستلزمات الزراعة، وعانى المزارعون الأمرَّيْن في تأمين المازوت اللازم لعملية الري، مما أدى إلى زيادة تكلفة المحاصيل الاستراتيجية.

8- وقف المواطن العامل.. والموظف.. والمتقاعد.. والشاب، عاجزاً أمام ارتفاع الأسعار، فتراجع دخله الحقيقي، وبات يتساءل عن دور الحكومة..!

نحن لانطالب الحكومة بالمستحيل.. في ظل أزمة مركبة.. صعبة، بل نأمل منها – بالحد الأدنى- تحقيق وعودها.

العدد 1104 - 24/4/2024