أطفال الحرب

ألقت علينا هذه الأزمة بالكثير من المصائب والمآسي، فأغلب الناس قد تهجّروا وخسروا أموالهم وأملاكهم، والكثير منهم خسروا فرداً من العائلة وبعضهم خسر من يعيلها، وعند نزوحهم اضطر بعضهم إلى الإقامة في مراكز الإيواء أو في دور العبادة، وبعضهم يقيم في الطرقات والحدائق العامة، وسادتهم الحجارة وغطاؤهم أوراق الشجر اتقاءًل عوامل الطبيعة. وللأطفال نصيب كبير من هذه المصاعب، إذ يقومون بأعمال لم تخطر على البال سابقاً كالنبش في حاويات القمامة ليلتقطوا الخبز العفن والطعام المنتهية صلاحيته.. ومن بينهم طفل التقيته اسمه أسعد، وهو أحد الأطفال الذين تكررت رؤيتي له وهو يقوم بجمع الخبز مع مخلفات الناس من لباس وطعام ليأخذ منه إلى أسرته. ودائماً كنت أراه مع مجموعة من رفاقه المشردين.. وحاولت سؤاله عن أهله والسبب الذي من أجله ينبش في القمامة ويعرّض نفسه للمرض والأوبئة، ولماذا هو خارج المدرسة؟ ففوجئت بأنه لم يدخل مدرسة في حياته لأن أهله غير راغبين بذلك وربما هو غير مسجّل بالأساس ويريدونه أن يعمل، وهو أكبر إخوته الذين منهم من يعمل بتنظيف الزجاج ومن يبيع الورود، أما والده فهو يعمل بتنظيف أدراج الأبنية وينام فيها، أما أمه فقد غادرت الحياة أثناء هروبهم من مسكنهم، وعندما أخبرته عن مركز الإيواء كي يعيش فيه، فوجئ بوجود مكان يمكن العيش فيه مع أسر وأولاد وحياة هادئة أفضل من الشارع الذي لا يرحم. وبالفعل توصل إلى مركز وأخبر والده كي يعيشوا كلهم فيه، وبعد فترة لقيته في الطريق وشكرني على المكان الجديد الذي شعروا فيه بجو الأسرة وحنان الأمهات.. ففرحت كثيراً أني استطعت التغيير في أمر صغير وأنا ما زلت طالبة في المدرسة، ولو كنت أكبر لكنت قد قدّمت العون بطريقة أفضل وأعمق.

العدد 1105 - 01/5/2024