أسلوب النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي

تعود فكرة وسيلة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ببساطة إلى السماح للأصدقاء بتبادل الأخبار بعد أن تفرقت السبل بينهم، ويقدم لهم وسيلة بسيطة ورخيصة للتواصل. هذه الوسيلة تطورت لتصبح منبراً لنشر الأخبار والأفكار والآراء السياسية والاجتماعية وغير ذلك. وقدمت مكاناً للبيع والشراء وعرض آخر المصنوعات، وصارت إحدى طرق الدعاية الرخيصة والسريعة.

البعض ظل مؤمناً بفكرة أن وسائل التواصل الاجتماعي هي لتبادل الأخبار الشخصية والعائلية، الإنجازات والإخفاقات الشخصية، ينشر نجاحه ليشارك أصدقاءه فرحته، ويكتب ألمه كي يَتَعّزى بخلانه. والبعض بدأ ينشر مبادئه ومعتقداته، إن بشكل خواطر أو بشكل مقالات. هذه الأفكار والمبادئ قد تحتمل الصواب أو الخطأ من وجهة نظر القارئ المتلقي، وهي تُنشَر إما على الصفحة الخاصة بالشخص أو على صفحة تُعنى بهذه المبادئ والمعتقدات.

كل ذلك جيد وحسن، وقد تنبّهت بعض شركات التواصل الاجتماعي لهذا النشاط الذي بدأ يغزو هذه الوسائل، فأضاف بعضها خيار (لم يعجبني) بعد أن كانت وضعت خيار (أعجبني) في تصميم صفحاتها، حتى يستطيع القارئ المتفاعل على هذه الصفحات أن يُبدي رأيه أو أن يُشارك بتعليقه.

وبدأنا نرى في المجتمعات التي تُعنى بثقافة أفرادها نقاشات مفيدة تؤيد الفكرة محل النقاش أو تعارضها، بأسلوب رصين ومهذب، مستخدمين لغة تحترم المساحة الرمادية في طريقة إدارة النقاش، إن أراد المتفاعل أن يبدي رأيه بعد أن يبدي موقفه مما طُرِح. أما في مجتمعاتنا، فنرى أن البعض يستخدم هذا الأسلوب وهذه بادرة مشجعة. بينما نرى أن البعض الأخر يحاول أن يفرض رأيه ومعتقده عليك بالقوة دون أي دليل علمي أو مادي، وقد يبدأ النقاش بالمجادلة بالأفكار لينتهي بتبادل الشتائم، دون أي اعتبار للمصطلحات اللغوية في بداية النقاش، فضلاً عن أسلوب اختيار الكلمات في نهايته.

هذه الحالة إن دلّت على شيء، فهي تَدُّل على انحدار المستوى الثقافي في مجتمعاتنا، وهي حالة مرضية تهدد بُنيانه بالانهيار لتصدّع أسسه الثقافية والأخلاقية. فالثقافة ممارسة والأخلاق تربية، وعندما تنعدم الثقافة وتنحدر الأخلاق يكون المجتمع قد دخل دائرة الخطر.

لذلك فالمطلوب من القارئ المتفاعل على صفحات التواصل الاجتماعي أن يحترم صاحب الفكرة وإن لم تعجبه الفكرة، وأن لا يحاول فرض آرائه فهي بحد ذاتها قد تكون بحاجة إلى المناقشة والتصويب أو النقض. وأن يحاول قراءة الفكرة الغريبة عنه مرة واثنتين وثلاث حتى يستوعب المغزى الكامن وراءها، ولا بأس من قيامه ببعض المجهود والتفتيش عنها في محركات البحث كي يستطيع أن يكون رأيه حولها، وبعد ذلك إن كان يتفاعل على صفحة الكاتب الشخصية فعليه أن يختار بعناية ألفاظه حتى لا يتحول الخلاف في الرأي إلى خصومة شخصية، وإن كان يتفاعل على صفحة عامة يجب أن يضبط أعصابه ويختار كلماته، فلا فائدة من مبدأ أو فكرة إن كان المدافع عنهما إنسان يتجاوز حدود الأدب في النقاش. وفي النهاية، تُقدم لنا وسائل التواصل الاجتماعي خيار إلغاء الإعجاب للصفحة أو حذف الشخص الذي نتواصل معه، إن لم نستطع أن نضبط أعصابنا أثناء قراءة الفكرة المخالفة لمعتقدنا، كي لا يرى الأصدقاء المشتركون وباقي المتابعين جليل ألفاظنا وتهذيب عبارتنا.

العدد 1105 - 01/5/2024