فلاديمير نابوكوف في الرواية المدهشة «ضحكة في الظلام»

ولد نابوكوف عام 1889 في سانت بيترسبيرغ لعائلة أرستقراطية غنية، في أعقاب الثورة البلشفية، هاجرت عائلته من روسيا إلى برلين، درس نابوكوف الأدبين الروسي والفرنسي في جامعة كيمبريدج، وكان نجاحه الأدبي الأول ترجمته لأغاني (هاينه) منذ 1937 إلى 1940. عاش في باريس، حيث التقى جيمس جويس، ونشر نابوكوف رواياته الأولى في برلين: (ماشينكا) 1926 والملك و(الملكة والوغد) – 1928 و(المجد) – 1932 وفي باريس كتب (العين) 1938 و(دعوة إلى المقصلة). وقد كتب كل هذه الكتب باللغة الروسية تحت اسم مستعار هو (ف. سايرين) وتعاون الكاتب مع آخرين لترجمتها إلى الإنكليزية.

كما نشر روايته الأولى بالإنكليزية (الحياة الحقيقية لسباستيان نايت) -،1942 وكانت روايته الثانية (بندسينيستر) -1947.

عمل نابوكوف أستاذاً للأدب الروسي في جامعة كورنيل، وخلال عمله هناك نشر الجزء الأول من مذكراته دليل قاطع، وفي كورنيل أيضاً نشر أشهر رواياته على الإطلاق (لوليتا) ،1955 التي حققت نجاحا كبيراً سمح له بالتخلي عن التدريس والتفرغ للكتابة. كما ترجم خلال فترة عمله كتاب بوشكين (يوجين أونيجين)، الذي نشر في أربعة مجلدات عام 1964.

ويرى نابوكوف نفسه كاتباً أمريكياً كان روسياً ذات يوم، فهو يرى أن دم بوشكين يجري في عروق الأدب الروسي الحديث تماماً كما يجري دم شكسبير في عروق الأدب الإنكليزي.

كثير من الكتاب الروس المتميزون، مثل بوشكين وليرمونتوف، وبيلي، كتبوا أعمالاً متميزة شعراً ونثراً، ولا بد من الإشارة إلى أنه لاغوغول ولا تولستوي ولا تشيخوف تميزوا بكتابة الشعر، وزيادة على ذلك ليس من السهل التمييز بين الشعر والنثر في بعض الروايات الإنكليزية والأمريكية العظيمة.

والقوافي الروسية أكثر جاذبية ووفرة بكثير من نظيراتها في الإنكليزية، فلا عجب أن يتكرر استعمال هذه الجماليات من قبل كتاب النثر خصوصاً في شبابهم.

ورواية (ضحكة في الظلام) لفلاديمير نابوكوف لا تقل أهمية عن روايته الشهيرة (لوليتا)فهو الذي يقول: أحب لوليتا أكثر من غيرها، لكني أحتفظ بتقديري لـ (دعوة إلى المقصلة) و(ضحكة في الظلام)، وهي عمل حاذق وتمثيل بديع، وهذه القصة تنبض بالحياة، وقوة التأثير فيها أن وقائعها ملموسة، وقد ختم المؤلف هذه القصة بمهارة فائقة.

الشخصية الرئيسة في هذه الرواية شخصية (البينوس) عاش في برلين ـ ألمانيا ـ وكان (البينوس) على جانب عظيم من الثراء، ذا مكانة اجتماعية مرموقة سعيداً في حياته كل السعادة. ولكي ينشد المزيد من تلك السعادة هجر زوجته وراح يبحث عن غانية شابة كان يحبها، فقضى معها ليالي حمراء.. إلا أن حياته انتهت بمأساة، فتلك الغانية لم تكن تبادله الحب الذي كان يحمله بين جنبيه نحوها.

في هذه الرواية (ضحكة في الظلام) لم يكن (البينوس) موفقاً في مغامراته الغرامية على الرغم من أنه جميل المنظر والمظهر، حلو الحديث، على جانب عظيم من الثراء والشخصية، ومع هذا فلم يكن لديه تلك المقدرة على استمالة النساء، وكم حاول.. وكم فشل.. أقدم على الزواج من ابنة رجل معروف كان يعمل مديراً لأحد المسارح في برلين، وتدعى (إليزابيت)، تزوج منها ولم يكن يحبها، وخشي أن تكون حياته الزوجية قصيرة الأمد لعدم وجود رابط حب بينهما.

كانت (إليزابيت) ذات شعر أشقر، وعينين نجلاوين، جميلة المبسم، رشيقة القوام، مهذبة في حركاتها وأقوالها، مما جعل (البينوس) ينظر إليها نظرة جديدة بعد الزواج كلما تمعّن هذه الصفات. وقد أحبها وشعر بعاطفة جارفة نحوها عندما نهضت (إليزابيت) من نومها، ووقفت أمام المرآة وهي ترتدي ذلك الثوب الفضفاض، تنظر إلى بطنها المنتفخ، فانفرجت شفتاها عن ابتسامة الرضا والترحيب بالمولود الجديد (أرما)، كما كانت سعادة (البينوس) لا توصف برؤية ابنته (أرما) وبحضور (بول) شقيق إليزابيت، والخادمة، في بيته الكبير الذي يتكون من عدة غرف، ولكن كيف سيعوض (البينوس) حرمانه من التمتع بالجمال والحب أثناء شبابه، فراح يبحث عنه بعد أن أصبح أباً ورب عائلة. وأصبح البينوس في نظر إليزابيت إنساناً جديداً رأت من واجبها أن تندفع نحوه بكل قواها وإحساساتها، وجدت فيه مثال الزوج المستقيم. فكان يسهر على راحتها، ويقوم بخدمتها بنفسه، ولم يكن يأوي إلى فراشه إلا في ساعة متأخرة من الليل، يقضي كل ذلك الوقت بجانبها، يسليها ويستمع إلى حديثها، ويستمتع بضحكاتها العذبة من وقت إلى آخر.

لكن البينوس يقع في حب ماركو الفتاة الحسناء التي تعمل مرشدة في صالة السينما، ويضعف البينوس أمام الجمال الفاتن الساحر والجسم العاجي لماركو ماركو التي خرجت من عائلة فقيرة، كان يقابلها أخوها (أوتو) بلكمة على عنقها، فتسقط على الأرض. تعرفت (ماركو) على سيدة قرية تدعى(فراو) وهذه تتتميز بمظاهر النعمة والثراء. عملت ماركو  طاهية وخادمة في بيتها الكبير، عملت ماركو عند (فراو) وقد وافق والداها على ذلك، وكانا على استعداد لأن يسلماها للشيطان في سبيل الخلاص من تصرفاتها أولاً.. ولحاجتهم إلى أجرتها ثانياً.. إلا أن أخاها لم يكن في المدينة حين تم هذا الاتفاق. ولو كان حاضراً لما وافق على ذلك، لأنه كان دائماً يحمل حملات شعواء على أولئك الأثرياء الذين يستخدمون بنات الفقراء وكأنهم يشترونهم بالمال.. فكان يكره الرأسماليين دائماً ويحارب نظرتهم إلى الفقير.

نرى البينوس يسطر رسالة إلى زوجته إليزابيت التي غادرت المنزل، يعترف لها أنه خانها، وان الصدمة التي حصلت له كانت قوية لدرجة لم يستطع احتمالها، فهو يقضي الأيام شارد الفكر مضطرب الأعصاب. ولكنه لم يلمّح في رسالته الطويلة هذه إلى أنه على استعداد للتخلي عن حبيبته التي كانت السبب في كل ما حصل، لأنها، بعبثها ولهوها الذي هو أقرب إلى الاستهتار، كانت تنسيه الكثير من متاعبه وهمومه.

(ضحكة في الظلام) ضحكة فتاة في السادسة عشرة من عمرها، ضحكتها من الأعماق مع عشيقها، ثم ما لبثت المسكينة أن ضحكت للبلية المعقدة التي أحاطت بها، فضحكت (وشر البلية ما يضحك).

إنها ضحكة رجل متزوج، سعيد في حياته الزوجية، هجر زوجته ليضحك مع عشيقته ضحكات الحب، والهوى الرخيص، وما لبث أن صحا.. وندم، فضحك ليشارك عشيقته في ضحكاتها.

قصة »ضحكة في الظلام« عبرة للفتيات، والنساء، والشباب، والأزواج على حد سواء، لأنها تحل مشكلة اجتماعية بين الجنسين يمكن أن تحدث في أي مكان وزمان في العالم.

العدد 1105 - 01/5/2024