اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب… ملاحظات ومدلولات

مؤشرات ودلالات عديدة أظهرها اجتماع وزراء الخارجية العرب في الخامس من حزيران في القاهرة، رغم الملاحظات الكثيرة السلبية عليه، وعلى بيانه الختامي الذي صدر إثر نقاشات ساخنة، وصولاً إلى مساومات متعددة ومختلفة حول العديد من نقاطه.

تضمن البيان الختامي (التوافقي) عشر نقاط أساسية حول الأزمة السورية، يمكن تلخيصها ب: (الحفاظ على السلامة الإقليمية والنسيج الاجتماعي لسورية وهيكل الدولة ومؤسساتها، إلى تشكيل حكومة انتقالية ودورها وسلطاتها، وتفسيرات الجامعة لها، مروراً باستدعاء قوات حفظ نظام دولية لتنفيذ ذلك، ودخول مساعدات إنسانية إلى جميع أنحاء سورية، وتحديد مدة زمنية لمهماتها وتنفيذها)، التي تشير إلى تراجع نسبي لجهة مؤسسات الجامعة، ترافقت مع مساومات أخرى بهدف تضمين البيان موقف الجامعة (التوافقي) من التدخل في الشؤون السورية، تلخص في (إدانة كل أشكال التدخل الخارجي، وخاصة تدخل حزب الله). وتجاهلت هذه الصيغة (التوافقية) اقتراح دول مجلس التعاون الخليجي حول إدانة حزب الله دون غيره، وإدراجه على لائحة الإرهاب، وكذلك مطالبة الرئيس السوري بالتنحي، الذي لم تقبل به العديد من الدول العربية، ومنها الجزائر والعراق ولبنان ومصر.

بيان (التوافق- المساومة) العربي هذا، ردت عليه وزارة الخارجية السورية بإعلان رسمي جاء فيه: (إن جامعة الدول العربية طرف أساسي في الحرب على سورية، وما يصدر عنها وعن اجتماعها، سواء كان على مستوى القمة أم مستوى وزراء الخارجية، لا يعني سورية، لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأن جامعة الدول العربية، لم ولن تكون طرفاً في الحل، فهي طرف أساسي في الأزمة، وما كل هذه الاجتماعات واللقاءات على أي مستوى كان، إلا محاولة من الجامعة لشرعنة وجودها الذي سقط لدى الرأي العام العربي، بعد أن أصبحت أداة في أيدي بعض الدول العربية التي تنفذ مخططات الغرب.

ونود في سياق الملاحظات على بيان (التوافق) أن نشير إلى عدد من الملاحظات حول الاجتماع وبيانه الختامي، ومنها:

* أن انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب، يأتي بُعيد أحداث دولية هامة، أبرزها (تفاهم) موسكو، الروسي – الأمريكي (7 أيار الماضي) وتفاعلاته الإقليمية والدولية، وقمة روسيا – الاتحاد الأوربي (4 حزيران الجاري)، والقمة الثلاثية الروسية – الأمريكية- الأمم المتحدة (5 حزيران)، التي ناقشت التحضيرات والشروط اللازمة لعقد مؤتمر (جنيف 2) وآليات عمله، وهي بمجموعها خطوات دولية أكدت، وإن بتباين لأسباب مختلفة (إقراراً أو اضطراراً)، ضرورة الحل السياسي للأزمة السوية، بديلاً من لغة التهديد والتدخل الخارجي، وإقامة المناطق العازلة، أو فرض حظر جوي واشتراط التنحي والتغيير الخارجي الإرادوي.

* اتساع عدد الدول الممتنعة أو المتحفظة على مشاريع قرارات الجامعة بمستوياتها المختلفة (رؤساء، وزراء.. إلخ)، خلافاً لاجتماعات الجامعة السابقة، وأن هناك عوامل كثيرة كانت وراء هذا التراجع في حدة بياناتها نسبياً، مقارنة ببيانات المرحلة (الساخنة) السلبية واللاأخلاقية والمناقضة لأسس عمل الجامعة أصلاً، التي تجاوزتها سورية أولاً، كذلك حلفاؤها وأصدقاؤها، وتالياً تخطي مرحلة عنق الزجاجة حصاراً وعقاباً من (الأشقاء) قبل الغرباء!

* العودة التدريجية النسبية، وإن كانت بطيئة، لأنظمة وقوانين عمل هيئات ومؤسسات الجامعة التي تشترط التوافق أو الإجماع بعد سنتين من خطف قطر ومحورها لدور الجامعة وأسس عملها (تجميد عضوية سورية، ثم استقبال وفد الائتلاف المعارض.. إلخ)، وهذا ما لحظته مداخلات العديد من الدول الممتنعة أو المتحفظة على دور الجامعة في السنتين الماضيتين، ومطالبة بعضها (الجزائر) بضرورة عودة العمل بالأعراف والتقاليد السابقة، وعدم اعتماد (البيانات الجاهزة) وبعضها باللغة الإنكليزية، في إشارة واضحة إلى دور قطر خلال ترؤسها دورات الجامعة.

* غياب وزراء خارجية دول الخليج الذين عملوا على إدارة دفة الجامعة في السنتين الماضيتين، وتمثيلهم بوزراء دولة للشؤون الخارجية. ولهذا مدلولاته ومعانيه، وخاصة في ظل الإنجازات الميدانية السورية الهامة في الشهرين الماضيين، والحرج ومحاولة حفظ ماء الوجه أمام التطورات الإقليمية والدولية المتوافقة على الحل السياسي للأزمة السورية، خلافاً لمخططات هؤلاء الوزراء وما يمثلون منذ بدء الأزمة في سورية.

إن هذه الملاحظات وغيرها على بيان مجلس وزراء الجامعة وعلاته ونواقصه، والذي ما كان له أن يكون بهذه الصيغة (التوافقية- التساومية) لولا الصمود (الشعبي، والحكومي، والحزبي الوطني) طوال أكثر من سنتين وثلاثة أشهر من عمر الأزمة السورية، وثمن تكاليفها الباهظة، وطنياً وفردياً وعلى كل المستويات، والذي مهد ومايزال يمهد الطريق، ولو بصعوبة وبطء، لحل الأزمة السورية بالسرعة الممكنة، والحفاظ على سورية الوطنية، وعلى سياساتها وتوجهاتها ودورها أيضاً. كذلك فشل مشاريع التدخل الخارجي بصيغه وأشكاله المختلفة، وحرج المحاور (الإقليمية) و(الغربية) و(الدولية) التي راهنت على التغيير السريع في سورية (أسابيع أو شهوراً قليلة) أسوة بما حصل في عدد من دول (ثورات الربيع العربي) التي تعاني راهناً أزمات مستفحلة، أو سيناريو التدخل الخارجي وتداعياته، فضلاً عن تكريس الاصطفافات والتجاذبات الدولية والمحلية إيجاباً لصالح مواقف الدول والقوى المتوازنة والمتضامنة مع سورية، ودورها الهام في التغيير الجاري في المواقف الدولية تجاه الأزمة السورية، مقابل فشل المشاريع (الدولية) و(الإقليمية) في إحراز تغيير في الموازين الداخلية السورية لصالحها. وبالتالي تبعات التطورات الميدانية والشعبية الإيجابية الجارية في سورية، وازدياد كفة الميزان الشعبي والعسكري لصالح سورية دولة وشعباً. ولانغفل هنا مسألة مرئية للمنشغلين في الأزمة السورية وعنوانها واقع (المعارضات) وبخاصة الخارجية منها، وعدم توصلها إلى توافق أولي حول لافتةٍ أو قاسم مشترك حتى تاريخه. ولا نتكلم هنا عن برنامج أو حتى توجه أوَّلي ما، وظهور هذه التناقضات إلى العلن، رغم محاولات مرجعياتها المتعددة العمل على (تضييقها).. كذلك واقع المجموعات والعصابات المسلحة الإرهابية من التشرذم والاختلاف، وصولاً إلى الاقتتال فيما بينها، وتعدد مرجعياتها. وبروز مجموعات مناطقية خارجة عن سيطرة هذه العصابات ولافتاتها الشكلية، فضلاً عن التعارض والتباين حول (المعارضات) الخارجية السياسية، وهذه المجموعات والنزاع المستمر حول القيادة والمرجعية فيما بينهما. بقي أن نشير إلى ملاحظة هامة تتلخص، رغم بقاء مقعد سورية شاغراً، في أن الائتلاف لم يدعَ لحضور هذا الاجتماع، بل دعي ممثله لإلقاء كلمته الحزينة والبكائية، ومغادرته القاعة بعدها، ولهذا مدلولاته أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024