دماء شهداء ميسلون

سجَّلت معركة ميسلون في تاريخ سورية (24 تموز 1920)، رقماً نضالياً ودرساً لا يزال صالحاً للقراءة والمراجعة، على المستوى الوطني من جهة، ودرساً لم يحفظه جيداً جنرالات فرنسا المعاصرون من جهة ثانية.

كم لنا من ميسلونٍ نفضَتْ

عن جناحَيْها غبارَ التعبِ

كم نبَتْ أسيافُنا في ملعبٍ

وكبَتْ أفراسُنا في ملعبِ

تأتي الذكرى الثالثة والتسعون لمعركة ميسلون في تموز،2013 وسورية تقاوم الغزاة الظلاميين. وأصبح تموز اليوم أكثر حرارة، ودماء ألوف الشهداء يروون تربة الوطن.

وبين التموزَيْن تسعة عقود ونيّف، قطعت سورية فيها مراحل عدة قبل الاستقلال وبعده. وعرفت الأجيال رموز البطولات والدروس التي قدموها لنا، والمعاني والدلالات لمعركة ميسلون التي دامت ساعات واقتحمت بعدها الجيوش الفرنسية دمشق، واستشهد البطل يوسف العظمة ورفاقه الميامين.. إن هؤلاء الأبطال رغم قلة عددهم قاوموا بالبنادق والعصي والسكاكين، الجيش الفرنسي المزود بالمدفعية والدبابات والطائرات والرشاشات. وقدَّم الشعب السوري في هذه المعركة 800 شهيد، ومن بينهم وزير الحربية البطل يوسف العظمة.

ولا بدّ من التذكير أن يوسف العظمة المولود عام ،1884 هو ابن حي (الشاغور)، أمضى سنوات عدة في المدارس العسكرية. وتخرّج ضابطاً واتّبع دورات عسكرية في إسطنبول وألمانيا. وشارك في حرب البلقان عام 1912 . وفي عام 1917 عُيّن مساعداً ل أنور باشا المفتش العام للجيش العثماني.

وبدافع وطني صادق وحينما سمع بتشكيل الحكومة العربية في دمشق، استقال من منصبه في الجيش التركي، رغم زواجه من سيدة تركية رزق منها بطفلته الوحيدة (ليلى)، والتحق بالجيش العربي – الفيصلي. وعُيّن ضابط ارتباط في بيروت، ثم عُيّن رئيساً لأركان حرب القوات العربية بعد ترقيته إلى رتبة عميد. وفي 3 أيار 1920 أسندت إليه وزارة الحربية في وزارة هاشم الأتاسي، فعكف على تنظيمها وتقوية الجيش العربي. وقام بإجراء عرض عسكري في دمشق لتقوية الروح المعنوية في الجيش وعند الشعب. عرف الشعب العربي السوري البطولات التي سجّلت في ميسلون. وحفظ ملايين التلاميذ السوريين إنذار غورو المؤلف من أربعة بنود، والقرار الذي اتخذه (فيصل) وحكومته بقبول الإنذار رغم الرفض الشعبي له. والأسباب التي أدت إلى هذه الحال من خلال أمرين هما:

الأول: نزولاً عند نصيحة اللورد الإنكليزي (اللنبي).

الثاني: ضعف الذخائر والأسلحة لدى الجيش العربي.

لا تزال نصائح اللورد الإنكليزي إلى حرّاس الجامعة (القطرية) سارية المفعول عن طريق ورثته. ولا يزال أحفاد الجنرال غورو يقلدونه وهم يقفون على المنابر الدولية والإقليمية ويصرخون بأصوات (الغيرة والمحبة والإنسانية). وكما أدت مقاومة الشعب السوري والجيش الباسل للاستعمار الفرنسي، إلى الحرية والاستقلال، فهي اليوم أشد وأقوى في مقاومة المخطط الإمبريالي – الرجعي، وذلك من أجل الحفاظ على الكرامة والسيادة الوطنية.

وبينما يحتفي شعبنا بذكرى ميسلون، لا بدّ من إعادة قراءة الدروس المستفادة، وتقديمها إلى أجيال الشباب الذين يعاصرون أحداثاً وأزمة معقدة لم ترَ سورية مثيلاً لها منذ عشرات القرون… ومن هذه الدروس:

* الموقف الحازم والإرادة القوية والمسؤولية العالية التي تحمّلها قلة من المقاتلين السوريين ومن المتطوعين في مواجهة جيوش الاستعمار.

* الثمن الغالي لنيل الحرية والاستقلال ووحدة الوطن والسيادة الوطنية.

* الإيمان بالمقاومة وتقديم التضحيات ورفض الظلم والاستبداد وعدم التفريط بالكرامة والسيادة.

* بروز البطولات في التاريخ الوطني والقادة العظام الذين لم ينكسوا الراية واكتسبوا ثقة الشعب.

وهذا مقطع من قصيدة للشاعر سليم الزركلي..

يا روابي ميسلون

بالضحايا ذكّرينا

يا رياحينَ البلادِ

جرِّدوا سيفَ الجهادِ

جدِّدوا العهدَ الأمينا

وانصروا الحقَّ المبينا..

تأتي الذكرى ال 93 والوطن يقاوم أشرس الأعداء المحليين والإقليميين والدوليين.. ويقدم ألوف الشهداء من خيرة أبناء الشعب.. فتحية إلى البطل الشهيد يوسف العظمة ورفاقه وإلى شهداء الوطن الذين قدموا أغلى ما يملكون.

العدد 1105 - 01/5/2024