كي لا ننسى: نزيه الجمالي المحامي الشهيد (1931-1980)

مساء 18/6/1980 كان الرفيق المحامي نزيه الجمالي (رئيس فرع نقابة المحامين بدمشق) ساهراً في مكتبه، وكان يكتب مقالاً بعنوان: (المحاماة بين العمل المهني والعمل الوطني)، غير أنه لم يستطع إكماله، لأن رصاصات حاقدة أصابته، أطلقتها عليه عصابة من تنظيم (الإخوان المسلمين) الذي اعتمد الاغتيال نهجاً، فاغتال آنذاك عدداً غير قليل من خيرة الكوادر الوطنية: سياسيين وأطباء ومحامين وعلماء.

استشهد الجمالي، وشيّعه في اليوم التالي حشد جماهيري كبير تجمع أمام القصر العدلي بدمشق، وارتفعت هتافات وألقيت كلمات حيّت الجمالي مناصلاً شيوعياً ورجل علم وقانون، وأدانت عصابات القتل والخيانة والإجرام. ثم توجه موكب التشييع إلى حمص، حيث كان في انتظاره جمهور غفير.. مر الموكب في حي الخالدية ثم على مسجد النوري، وبعد ذلك إلى مقبرة باب التركمان، حيث ووري الثرى.

نعته اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري في حمص بكلمات منها: (إن الأيدي المجرمة التي اغتالت الشهيد هي جزء من مخططات الإمبريالية والصهيونية والرجعية التي تستهدف إركاع شعبنا والقضاء على كل ما هو خيّر وتقدمي في وطننا.

إن دم الشهيد الذي قضى حياته مكافحاً في سبيل شعبه ووطنه لن يذهب هدراً، وسيكون منارة تهدي طريق المناضلين وناراً تحرق أعداء الشعب والوطن).

 

حياة حافلة

ولد الرفيق نزيه الجمالي في حي الخالدية الشعبي بحمص، عام ،1931 لأسرة معروفة بعلمها وأدبها ووطنيتها وتقدميتها، وكان منذ صغره ذكياً ومجدّاً ونشيطاً، تعلم في مدارس حمص ونال الثانوية فيها، وكان متفوقاً في دراسته.

انتسب عام 1949 إلى الكلية الحربية، وتخرج فيها عام 1952 برتبة ملازم. وكان في حياته العسكرية مثالاً للشجاعة الوطنية، وتحلى بروح عالية من المسؤولية والانضباط والإخلاص لشعبه ووطنه، وقد ناهض ديكتاتورية الشيشكلي.

أحيل في عام 1959 على التقاعد برتبة رائد، على خلفية أفكاره الثورية ومواقفه التقدمية، وسرعات ما انتسب إلى كلية الحقوق بجامعة دمشق في العام الدراسي 1959- ،1960 وتخرج فيها بعد أربع سنوات من الدراسة الجادة، بدرجة جيد جداً، وكان في هذه السنوات مضرب المثل بنشاطه ومعدلاته العالية.

سُجل محامياً متميزاً في نقابة المحامين بدمشق في 3/12/،1963 وبعد سنتين من التدريب أصبح محامياً أستاذاً في 7/12/1965.

عُرف عنه أنه طويل البال، دمث الأخلاق، وكان ناجحاً في مهنته، فكسب محبة زملائه واحترامهم وثقتهم.

رشحه الحزب لعضوية فرع نقابة المحامين بدمشق، فنجح بأصوات كثيرة، لدورتين متتاليتين، ومن موقعه النقابي هذا كان يرعى مصالح زملائه ويهتم بقضاياهم ومشاكلهم. وقد اختير رئيساً لفرع النقابة بدمشق (وكان الفرع يضم أيضاً محامي درعا والسويداء، قبل أن يصبح في كل منهما فرع للنقابة)، في 24 أيار1980 وكانت الهجمة الإمبريالية الشرسة على بلادنا آنذاك قد بلغت الذروة، وتصاعدت أعمال الشغب والإجرام التي نفذتها عصابة (الإخوان المسلمين)، فتسلّم هذا الموقع بشجاعة المناضل الشيوعي الصلب، وبروح المسؤولية الوطنية، غير آبهٍ بالتهديدات التي كانت تلك العصابات تطلقها ضد كل مناضل شيوعي وطني وشريف يتصدى لحمل المسؤولية.. وبعد أقل من شهر طالته يد الغدر.. فسقط شهيداً.

فيما بعد سميت القاعة الرئيسية في مقر الفرع باسم الشهيد نزيه الجمالي تكريماً له وتخليداً لذكراه.

كان الجمالي قد عرف طريقه إلى الحزب الشيوعي السوري بعد أن وعى الزيف في ممارسة العدالة، وشهد بأم عينيه ظلم الإقطاعيين للفلاحين في ريف حمص، ورأى أو سمع عن قوافل المناضلين الذين يدخلون السجون من أجل قضايا شعبهم ووطنهم، ولمس الحياة البائسة التي كان يحياها العمال الفقراء، وأدرك كيف كانت الشركات وأرباب العمل يستغلون جهودهم، وشهد غش التجار واحتكارهم لقوت الشعب، فأدرك أن ذلك كله لا يمكن علاجه إلا بسلوك طريق الاشتراكية.

سيبقى نزيه الجمالي وغيره من شهداء الحزب نبراساً ينير للمناضلين دروبهم، وسيبقون في ذاكرة الأجيال.

العدد 1105 - 01/5/2024