قراءة في لغة الجسد التي أهمل البشر حروفها

لماذا يعرف العرافون الكثير؟

كيف يظهر الشعور بعدم الأمان عند الأغنياء والمشاهير؟

لماذا تصبح الجماهير غاضبة؟

هل حقاً يتشابه الرجل وزوجته؟ وما هي الأسرار الستة للغة الجسد الجذابة؟

عن هذه الأسئلة وغيرها يجيب المؤلفان آلان وبربارا بييز، في كتابهما الجديد (المرجع الأكيد في لغة الجسد)، إذ يقدم الكتاب خلاصة أبحاثهما الطويلة في خفايا اللغة الصامتة التي يعزفها جسد الإنسان على مدار الساعة بطريقة عفوية، مما يجعل من قراءتها وسيلة هامة لاكتشاف المكنونات الداخلية للبشر، من تحليل لأساليب المصافحة، إلى التنويه بسحر الابتسام والضحك، ثم تفكيك إشارات الذراع وإشارات العين. و اعتمد المؤلفان على ما قدمه العلم في مجالات جديدة مثل علم الأحياء التطوري وعلم النفس التطوري، وكذلك تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الذي يوضح ما الذي يحدث في المخ. وقد عني الكتاب بالتركيز أساساً على حركة الجسد والتعبيرات والإيماءات، بحيث يجعلنا على دراية أكثر بتلميحاتنا وإشاراتنا غير اللفظية، إذ يوضح لنا كيف نستخدمها لكي نتواصل بكفاءة مع الآخرين، وكيف نحصل على ردود الأفعال التي نريدها، ويشير المؤلفان الى أنه عبر آلاف السنين من تطورنا لم تُدرس لغة الجسد بجدية إلا منذ الستينيات من القرن الماضي، مع أن الكلام لم يصبح جزءاً من قدرتنا على التواصل إلا في العصور الحديثة بلغة التطور، لكن قبل ذلك كانت لغة الجسد والأصوات التي تصدر من الحنجرة هي الأشكال الرئيسية لتوصيل المشاعر والعواطف، فلأننا نركز على الكلمات التي ينطق بها الناس، فإن معظمنا لا يعرف عن لغة الجسد الكثير، مع الإشارة الى أن المرأة تعتبر حادة الملاحظة أكثر من الرجل بكثير، وهذا أدى الى ما نشير إليه عادة باسم (حدس المراة) فالمرأة تمتلك قدرة فطرية على التقاط الإشارات غير اللفظية وفك شيفرتها، لذلك قليل من الرجال هم الذين يستطيعون الكذب على زوجاتهم دون أن ينكشف أمرهم، ولذلك أيضاً تستطيع معظم النساء خداع الرجال دون أن يشعروا بذلك. ويلفت النظر الى أن معظم إشارات التواصل الأساسية تعتبر واحدة في جميع أنحاء العالم، إلا أنه يقدم لنا بطريقة ممتعة المواقف الطريفة التي قد تحدث حين تلتقي ثقافة بثقافة أخرى، فكل شحص يستخدم إشارات مختلفة مثل اختلافات التحية أو إشارات أصابع اليدين، ويكون لها أحياناً معان متضاربة، مما يعطي رسائل عكسية، ويمكن أن يقع فيها أي شخص إذا كان غير ملمّ بثقافة الشعوب الأخرى، كما حصل مع الرئيس نيكسون حين زار أمريكا اللاتينية في جولة ودية لمحاولة إصلاح العلاقات المتوترة، وبمجرد أن خرج من الطائرة أشار للحشد المنتظر إشارة (أوكي) الأمريكية بأصابعه،وذهل حين بدؤوا يطلقون أصوات الازدراء والاستهجان نحوه بسبب عدم الدراية بلغة الجسد المحلية، إذ فهمت الإشارة على أنها سباب مناف للأدب ! وفي هذا السياق يشير الكتاب بأسلوب تهكمي، إلى أنه فيما يتعلق بالإساءة غير المتعمدة للثقافات الأخرى يحظى الأمريكان عادة بالجائزة الأولى، وذلك لأن معظم الأمريكيين يعتقدون أن بقية العالم يفكرون مثلهم ويريدون أن يكونوا مثلهم. ويتميز الكتاب بأسلوبه السلس الذي يعتمد على عرض الصور التوضيحية، ولاسيما تلك المأخوذة من لقطات للمشاهير من السياسيين والفنانين، مثل الصورة الشهيرة لإسحاق رابين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهما يتصافحان في البيت الأبيض عام ،1993 إذ يحللها الكاتب معتمداً على لغة الجسد ليقدم لنا المغزى السياسي فيها.  أو صور للأميرة ديانا التي أثارت تعاطف الملايين معها لاعتمادها طريقة معينة في الابتسام إضافة إلى إيماءات خاصة تميزت بها. ويفرد فصل خاص بعنوان (إيماءات التودد وإشارات الانجذاب) وفيه يؤكد أن المرأة هي صاحبة الكلمة الأولى وصاحبة المبادرة في موضوع التودد، لكنها تفعل ذلك بطريقة خفية وماكرة لدرجة تجعل معظم الرجال يعتقدون أنهم أصحاب المبادرة. وهنا يركز المؤلفان على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة في مجالات المغازلة، وحتى في أساليب الكذب، وبذلك يكرران بطريقة أخرى ما جاءا به في كتاب سابق لهما بعنوان (لماذا لا يستمع الرجل ولا تستطيع المرأة قراءة الخريطة؟) الذي ترجم للعربية بعنوان آخر هو (معارك قيس وليلى) وهو ينطلق من قاعدة الاختلافات هذه لتحقيق قدر أكبر من التفاهم بين الجنسين، ومنع الوقوع في الالتباسات والمواقف المبنية على فهم خاطئ سببه عدم القدرة على رؤية هذه الاختلافات وإدراكها.

وتحت عنوان (القوة في يديك) يؤكد أن الأيدي أهم الأدوات في تطور الإنسان، إذ يوجد ارتباطات بين المخ واليدين أقوى مما توجد بينه وبين أي جزء من أجزاء الجسم، لكن أشخاصاً قليلين يضعون في اعتبارهم كيف تتصرف أيديهم، أو الطريقة التي يتصافحون بها عندما يقابلون أحداً، إلا أن هذه الحركات الأولى تحدد هل سيكون هناك سيطرة أو خضوع أو قوة. و وعبر التاريخ كانت راحة اليد المفتوحة مرتبطة بالحقيقة والصدق والولاء، ولا تزال طرق عديدة للقسم تؤدى مع وضع راحة اليد على القلب، كما ترفع راحة اليد في الهواء عندما يقدم شخص ما شهادته في المحكمة، ومن الدلالات القيمة لاكتشاف ما إذا كان أحد الأشخاص صريحاً وصادقاً أم لا هي أن تلاحظ وضع راحة يده، فالبشر يستخدمون راحة اليد لإظهار أنهم غير مسلحين، وبالتالي لا يشكلون أي تهديد، والمصافحة تعتبر أثراً باقياً من الماضي البعيد حين كانت تلتقي القبائل البدائية في ظروف ودية، فكانوا يمدون أذرعهم ويفتحون راحة أيديهم ليظهروا أنهم لا يحملون أي سلاح، وفي العهد الروماني كان حمل خنجر مخبأ في الكم أمراً شائعاً لذلك قام الرومان من أجل الحماية باستخدام مسكة أسفل الذراع، في التحية الشائعة.

العدد 1105 - 01/5/2024