السعودية بعد الإخفاقات.. هل من تراجع؟

يدرك السوريون أنه كلما نَشط العمل السياسي واقترب موعد المؤتمر الدولي للسلام حول سورية، فإن هجمات المجموعات الإرهابية تشتد، لتحقيق أكبر مكسب قتالي لها، ولإعطاء صورة مشوهة عن الوضع في سورية وعن موازين القوى فيها.

هذا كان يحدث منذ أكثر من سنتين، أما الآن وبمناسبة كثرة الحديث والمداولات الدولية حول مؤتمر جنيف 2 للسلام في سورية، فإن الحلف الغربي المعادي لسورية، يتعامل على محمل  الجد أحياناً، وعلى محمل التردد أحياناً أخرى، مع مسألة إعادة التوازن على الأرض، وهو ما يعني إرسال المزيد من الأسلحة والعتاد والمرتزقة الأجانب عن طريق تركيا للقتال ضد الدولة السورية وتحقيق إنجازات عسكرية ضدها.. وهذا ما يفسر لنا أيضاً سخونة الوضع واشتداد الهجمات الانتحارية وكثافة نيران مدافع الهاون على المناطق المسالمة، وازدياد عدد الضحايا الأبرياء. كما يفسر لنا أسباب انفجار الصراع بين الفصائل الكردية من جهة، وفصائل جبهة النصرة الإرهابية التي تدعمها تركيا من جهة أخرى.

إن الحل السياسي للأزمة السورية لا يزال يُجابَه بالعديد من الصعوبات، منها ما ذكرناه حول الشرط الأمريكي التعجيزي، أي قلب ميزان القوى لغير صالح سورية، ومنها ما يتعلق بوضع المعارضة الخارجية نفسها. فالتناقضات تنخرها حتى العظم، والصراع بين قادتها حول سبل التعاطي مع مؤتمر جنيف يكاد يمزقها، فهم ذوو مصالح شخصية واضحة، وأصحاب مواقف سياسية وخلفيات إيديولوجية متباينة، وقرارهم ليس في يدهم. فقد برهنت الانقلابات المتكررة في قيادتها على ذلك، إذ تقوم الولايات المتحدة بتبديلها متى شعرت أن هذه القيادة أو تلك لم تعد صالحة للخطط الأمريكية المتقلبة أيضاً.. إن الإطاحة بالقيادة السابقة لما يسمى (الائتلاف) والمجيء بقيادة جديدة (الجربا وكيلو)، قد تم بالتنسيق الكامل والمعلن مع السعودية والولايات المتحدة، على أساس أن هذه القيادة قابلة للتكيف مع الإعلان الأمريكي بقبول عقد مؤتمر جنيف 2 دون شروط مسبقة. ولكن الكثيرين يبدون شكوكهم حول جدية الموقف الأمريكي الأخير، إذ إن الصراعات الداخلية بين أمراء المملكة العربية السعودية حول خلافة الملك، وسحب الملف السوري من يد قطر، وإدراك الكثير من السعوديين استحالة إحراز نصر عسكري على سورية، كلها عوامل لاتشجع على انعقاد المؤتمر الدولي، وإذا انعقد فإن صعوبات كثير ستواجه استمراريته والتوصل إلى حلول حاسمة فيه للأزمة في سورية، هذه الأزمة التي بدأت مفاعيلها تمتد إلى خارج الحدود السورية، كما كان معتقداً وكما أكدناه مراراً.

إن الإصرار السعودي على تطويع المنطقة وقيادتها على الأسس التي ثبت فشلها، هو المسؤول الأول عن استمرار التأزم في المنطقة وتعريضها لخطر الحروب، ومن هذه الأسس التآمر على سورية ووحدتها وأمنها واستقرارها، وتسعير التناقضات المذهبية مع إيران، وجعلها التناقض الرئيسي في المنطقة. ويدخل ضمن هذا الإطار النشاط السعودي ضد العراق، وتنشيط قوات القاعدة والمجموعات التكفيرية الذي يؤدي إلى قتل وجرح المئات من أبناء الشعب العراقي يومياً، والاستفادة من الأراضي الأردنية لجعلها معابر ومنصات لتسريب الأسلحة والمقاتلين إلى سورية.

إننا ننظر بعين الشك والريبة إلى  المحاولات الخليجية (السعودية، الإمارات، الكويت) لشراء النظام الجديد في مصر، بعد سقوط نظام الإخوان البائد، وعرض تقديم مساعدات مالية ضخمة إليه، ونعدّها محاولة لمنع مصر من استعادة دورها القومي والريادي في المنطقة.

إن السوريين لم ولن ييأسوا من متابعة الجهود الدولية ومساعدتها على السير في طريق الحل السياسي الذي عنوانه هو مؤتمر جنيف ،2 وفي الوقت نفسه تمارس سورية حقها المشروع في الدفاع عن النفس ضد عشرات الآلاف من المتسللين الأجانب القادمين من مختلف دول العالم، وهذا من حقها.

وفي الوقت نفسه ينبغي مواصلة الجهود الحكومية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والانفتاح على قوى المعارضة الوطنية الداخلية، وفتح قنوات الحوار معها دون يأس، والاستمرار في التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل لإصدار وثيقة الوفاق الوطني التي تحدد معالم سورية  المستقبل، والسير في طريق التغيير السلمي نحو الديمقراطية، والتخلص من آفة الفساد، واتخاذ خطوات حازمة ومدروسة لحل الأزمة الاقتصادية والنقدية التي أنهكت حياة المواطنين، والتوجه نحو إعادة السيطرة على التجارة الخارجية وتجارة الجملة الداخلية، والضرب بيد من حديد على تجار الأزمات.

العدد 1105 - 01/5/2024