المجازر لن تعطل مساعي الحل السياسي

يوماً إثر آخر يستمر نزيف الدم السوري، وتتعمق جراح السوريين وتزداد معاناتهم، رغم جرعات التفاؤل والأمل التي يحاولون انتزاعها، من تصريحات بعض المسؤولين الدوليين، أو توقعات لمسؤول أممي.. هكذا أراد البعض في الداخل والخارج.. أن نقف على أبواب القاعات الأمريكية والأوربية، كي نتلمس حلاً لأزمتنا.

يتساءل المواطن السوري النازف، المهجر قسراً، الباحث عن غذاء لأطفاله في ظل حصار ظالم واستغلال جائر: أي خلاف تحله البندقية ولا يحله الحوار؟ لمصلحة من يُقتل أبناء سورية، وتهدم وتحرق منشآتها ومرافقها ومصانعها ومزارعها وثروتها، ويتحول شعبها إلى قوافل بشرية نازحة تطلب الأمان في مراكز الإيواء لدى الأصحاب.. والأغراب؟

كيف سمح البعض للقادمين من كهوف الظلام بأن يلقّنوهم دروساً في الديمقراطية والحقوق الإنسانية عبر فوهات البنادق وطقوس الذبح والقصف والتفجير والخطف والتهجير؟

قبل أن يتحول شعار الديمقراطية والحرية إلى طلقة في الصدور، أكدنا وأكد غيرنا أن سورية لجميع السوريين، وأن أخطاء الماضي وآفاق المستقبل يستحقان حواراً واسعاً وحراً وشاملاً بين أبناء الوطن الواحد، وأن التغيير السلمي نحو سورية الديمقراطية تحت سقف الثوابت الوطنية كان استحقاقاً علينا إنجازه، بعد سنوات من الوعود المؤجلة لهذا السبب أو ذاك، خاصة بعد أن نزلت الجماهير العربية إلى الشوارع رافعة شعارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ورفض التهميش والفقر. فالحلول الأمنية، وتجاهل الآخر الوطني سيسهمان في تعقيد الأزمة. ورأينا حينذاك وما زلنا نرى، أن ما يبيت لشعوبنا العربية في روزنامة الإمبريالية الأمريكية وشركائها ورثة الإمبراطوريات الأوربية الاستعمارية، يتطلب منا التمسك بوحدتنا واستقرارنا، وسياستنا الوطنية، وإصلاح بيتنا، وسد الفجوات التي سيتسلل منها دعاة التكفير والتفرقة الدينية والطائفية والإثنية.

البعض رأى في الحوار تمترساً في خندقه، وتمسكاً بمواقفه، والبعض الآخر أراده مناسبة لإقناع الآخرين بصحة آرائه.. أما من رفض الحوار فقد ادعى تمثيل السوريين دون تفويض منهم، وأراد أخذهم إلى أتون حرب دموية بين أبناء الشعب الواحد. المواطنون السوريون أرهقتهم تداعيات الأزمة الدامية، ويرون بلادهم التي علمت الإنسانية أبجديات الحضارة تتخبط في نزاع دموي تساهم في تصعيده واستمراره السياسات العدوانية الأمريكية الأوربية، التي تدعو إلى الحل السلمي للأزمة السورية حيناً، وتدعم في السر والعلن استمرار هذه الأزمة في أكثر الأحيان، فترسل السلاح والمال وتحفز الإقصائيين وضيقي الأفق، على رفض الحوار، واستمرار استنزاف سورية وقتل شعبها.

فالتفجيرات الإرهابية والمذابح الوحشية، وكان آخرها في جرمانا وخان العسل، تحصد المئات، والقصف المدفعي والصاروخي يدك البشر والحجر، والجماهير الشعبية تقاسي أوضاعاً معيشية صعبة، في ظل حصار اقتصادي ظالم.. فقد خسر الكثيرون منهم سكنهم ومدخراتهم وعملهم، وتراجعت أجورهم الحقيقية أمام موجات غلاء متلاحقة، واستغلال علني لتجار الأزمات وأثرياء الحروب، وبات تدبير لقمة المعيشة والدواء أمراً عسيراً عليهم!

هل صحيح أننا لا نستطيع التوافق على الخروج من أزمتنا، عبر حوار وطني شامل يُحيّد الخارج، ويضع القاعدة المتينة لمستقبل سورية الديمقراطية المعادية للإمبريالية الأمريكية ولجميع قوى الهيمنة والاستبداد؟ هل صحيح أن الديمقراطية في سورية ستأتي بمباركة من الكونغرس وأصحاب الجلالة والسمو وورثة الحكم الإلهي.. الذين فتحوا خزائنهم ومطاراتهم ومضافاتهم ل(الديمقراطيين) السوريين؟

من يهلل لخراب سورية، وتفتيت وحدة شعبها، والنيل من جيشها، ولجم مواقفها الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية، إلا من تخلى عن وطنه، وأصبح أداة بيد أعداء سورية.

إلى متى؟… هذا هو السؤال الذي يلح على كل سوري!

العدد 1105 - 01/5/2024