الجزيرة الثائرة

يمكننا أن نطلق على صيف عام 2013 (فصل الإرهاب)، خاصة في شهر آب، إذ يزداد الإرهاب في معظم البلدان العربية. وتستمر الدول الداعمة له بتقديم المال والسلاح بسخاء وكرم، ولم يحصل مثيلاً له في التاريخ العربي.

إن البحرين..الجزيرة الثائرة، يستمر فيها الحراك الشعبي، وتستعيد الجماهير قوتها وتجدد قواها في الرابع عشر من آب. وفي هذا التاريخ من عام 2012 عبرت قوات درع الجزيرة البحرين قادمة من المملكة السعودية. وبدأت حركة (تمرّد) التظاهرات الشاملة في مدن جزيرة البحرين وقراها وبلداتها، والإعلان عن العصيان المدني. وخرج عشرات ألوف المواطنين في أكثر من 60 تظاهرة سلمية وفي أكثر من 40 منطقة، بمناسبة الذكرى ال 42 لاستقلال البحرين عن بريطانيا في 14 آب عام 1971.

لقد رأى النظام السعودي أن التغيير في البحرين، تهديد استراتيجي للعائلة المالكة. وفي الوقت نفسه رأى أن الحراك الشعبي الجماهيري في اليمن أيضاً تهديد للنظام السعودي من الجهة الجنوبية. والثورة المصرية تهديد لها من الجهة الغربية.. أي أن السعودية (شبه جزيرة) مهددة من ثلاث جهات!

ومن أجل مواجهة الحراك الجماهيري المتفاعل، استقدمت حكومة البحرين ضابطين كبيرين من الولايات المتحدة لقيادة القمع، هما: (جون تيموني) الذي يوصف بأنه (أسوأ شرطي في الولايات المتحدة)، و(جون بيتس).

وفي موازاة هذه التظاهرات اتخذ النظام الملكي إجراءات ضد كل من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، وتشديد العقوبات ضد كل من يقوم بالترويج لمعلومات خاطئة لجهات خارجية تتربص بأمن البلاد واستقرارها.

وصدرت مراسيم ملكية حدّت من حرية الرأي والتعبير، ومن إقامة التجمعات والمسيرات وتنظيم التظاهرات التي تقام أو تسير بالقرب من المستشفيات أو المطارات والمجمعات التجارية أو الأماكن ذات الطابع الأمني. وشكلت السلطة ميليشيات مسلحة لقمع المواطنين وملاحقة المتظاهرين.

وكانت حملة (تمرّد البحرين) قد أعلنت النفير الشعبي العام في 14 آب، وأصدرت بياناً جاء فيه: (لسنا دعاة عنف ولا صنَّاع مواقف مرتجلة، ندرك حساسية المرحلة وحجم التكلفة. نتبنَّى الخيار السلمي خياراً استراتيجياً. ونرى حق جميع المكونات السياسية في التعبير عن آرائها بحرية).

اقتحم المواطنون حواجز الأجهزة الأمنية، واستجاب شعب البحرين للتظاهر السلمي، ورفض المراسيم والقرارات الملكية، وتعرَّضت المدن إلى الشلل التام، ما أدى إلى استنفار الحكومة وأجهزتها الأمنية وأدوات قمعها، وتشديد الإجراءات القمعية. وأغلقت المحال التجارية وانعدمت الحركة في الأسواق والشوارع، وتمّ قطع جزئي للإنترنت. وتمركزت المدرعات والمصفحات في العاصمة خاصة وبقية المدن عامة. وكانت الدوريات تجوب الشوارع. وأقيمت الأسوار الحديدية والأسلاك الشائكة لعزل البلدات بعضها عن بعض، والسيطرة على حركة المتظاهرين.

ورفعت الشعارات التي تطالب بحق شعب البحرين في نيل الديمقراطية والحرية، وتأسيس دولة العدالة والمساواة، وإنهاء الديكتاتورية والاستئثار بالسلطة. وتحقيق المواطنة الكاملة لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة والمذهب والانتماء السياسي والفكري والإثني.

وقد أكَّد خليفة بن سلمان – رئيس وزراء البحرين منذ 42 عاماً، أي منذ الاستقلال – (أن الحكومة أمام مرحلة حاسمة في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه، ضمن برنامج متكامل، ومعاقبة مرتكبيه والمحرضين عليه، ومن يوفر له الغطاء السياسي أو الشرعي).

ومن وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعلن دائماً عن موقف لم يتغير، فهي تزعم بأنها الدولة الوحيدة (صاحبة الديمقراطية والراعي الأمين للدفاع عن مصالح الشعوب وخبزها)، تعلن – ليس في البحرين فقط، بل في تونس وسورية ومصر واليمن.. – عن قلقها الزاخر بالحب والعطف. وتصدر البيان تلو البيان والتصريح وراء التصريح وقلبها يحترق من (شدة غيرتها ومحبتها للشعوب العربية ودفاعها عن حقوقها المشروعة وكرامتها).

العدد 1105 - 01/5/2024