نحو تلاقِ جديد للشعبين المصري والسوري

عندما انتقلت الأزمة السورية إلى طور الأزمة المسلحة والفتنة الدموية، اتضح لكل ذي بصيرة أننا لم نعد أمام حركة مطلبية اجتماعية وسياسية فقط، بل أمام مواجهة مسلحة بين مشروع إرهابي محلي إقليمي ودولي، يرتبط ارتباطاً مباشراً بمشروع الهيمنة الإمبريالية والصهيونية على المنطقة، وبين الدول والشعوب التي رفضت الانصياع لهذا المشروع، وخاصة سورية.

وقد عبر هذا المشروع عن نفسه بنفسه باستنفار كل التكفيريين والإرهابيين في العالم، حتى تخطت أعدادهم عشرات الألوف المزودين بأحدث الأسلحة والتجهيزات وبمليارات الدولارات من أموال النفط العربي.. وازدادت هذه الحقيقة سطوعاً بعد الأعمال الإجرامية التي مارستها مجموعاتهم من قتل وسحل وحرق وتقطيع جثث، وفظائع أخلاقية يندى لها الجبين خجلاً. وعندما بدأت هذه المجموعات بتطبيق نموذجها في الحياة الذي يعود ليس إلى الجاهلية، بل إلى ما قبل الجاهلية بكثير، تأكد لمن لايزال بحاجة إلى مزيد من التأكيد، أن مشروع هؤلاء غير معني بالديمقراطية والحرية، بل هو ردة رجعية ظلامية، وإرجاع للتاريخ مئات السنين إلى الوراء. ومع اتخاذ القضية السورية أبعاداً إقليمية ودولية، تجلت في استنفار جهود أكثر من 40 دولة لإسقاط الدولة السورية بالحديد والنار، أصبح المشهد أكثر وضوحاً، خاصة بعد أن مارس هؤلاء هواية التدمير المنهجي والمنظم للبنى التحتية للدولة، من جسور وطرقات ومنابع نفط وسكك حديدية ومطارات واتصالات ومعامل ومنشآت اقتصادية وكهربائية.

وأصبح عنوان المشروع واضحاً جلياً كالشمس: دولة فاشية دينية لا تعترف بالدساتير والقوانين، ولا بأبسط حق من حقوق الإنسان المعاصر، وهي في الوقت نفسه مرتبطة بالمشروع الاستعماري العالمي.

ولقد قلنا، مع الكثيرين، إن محاولة تحطيم الدولة السورية ليس فقط أمراً مستحيلاً، بل ستمتد آثاره إلى دول الجوار، وستؤثر على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بكامله.. وها هو ذا لبنان يقع مرة أخرى ضحية الإرهاب التكفيري الذي يضرب بسورية، وها هو ذا العراق أيضاً يتحول إلى مسلخ بشري يُقتل فيه المئات كل يوم، بفعل إرهاب العصابات التكفيرية ذاتها، والتي تسعى جاهدة لاستغلال التركيبة الطائفية لنظام الحكم الذي نشأ بعد تحرر العراق من الاحتلال، وتفجير هذه البنية، وتحويل العراق إلى ممر لجماعات الإرهاب الموجهة ضد سورية.

ويحتقن الوضع في الأردن تحت وطأة التوازنات القلقة التي تهدد كيانه، خاصة إذا نجح الضغط الأمريكي في تحويل الأردن إلى قاعدة عسكرية موجهة ضد سورية، على النمط الذي نرى بوادره الآن.

إن التغاضي عن رؤية الترابط الإقليمي والعربي والدولي لمجموع هذه الأحداث وغيرها أيضاً، لا يؤدي بنا إلى الوصول إلى استنتاجات دقيقة للوضع، فالمؤامرة التي تشهدها المنطقة بكاملها مترابطة.

واليوم وبعد أن انتفضت مصر وأسقطت حكم (الإخوان المسلمين)، ووجهت بذلك ضربة صاعقة للمخطط الإخواني- الأمريكي – التركي الذي عمل جاهداً للسيطرة على المنطقة بكاملها، ستجد نفسها عائدة إلى الصف العربي المليء بالهموم والتدخلات الاستعمارية، وبالمحاولات المحمومة لشرائها من قبل المملكة العربية السعودية. كما ستجد مصر نفسها في صف واحد مع سورية التي تعرضت وتتعرض لهجمة تكفيرية مشابهة، سواء حملت راية الإخوان أم راية جبهة النصرة.

ولنا عميق الثقة بأن القوى الوطنية واليسارية والديمقراطية المصرية التي أسقطت حكم الإخوان، ستنجح في مدّ جسور التحالف والتآخي مع سورية وباقي قوى حركة التحرر الوطني العربية، لإعادة بناء هذه الحركة من جديد على أسس وطنية وديمقراطية، ولإلحاق هزيمة تامة بالمشروع الإمبريالي والإسرائيلي في المنطقة العربية.

العدد 1105 - 01/5/2024