الولايات المتحدة تُنضج على نار هادئة إمكانية توجيه ضربة عسكرية لسورية

الولايات المتحدة في سوق لحصان السبق، وسورية محل الرهان. هكذا يتعاظم الحديث بشكل يومي أو ساعي عن استعدادات الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية لسورية في زمن غير محدد رغم سخونة الحديث عن الاحتمالات. لا يبدو حتى الآن أن التوجه الأمريكي لضرب سورية عسكرياً أصبح محسوماً، لكن استبعاد هذا الاحتمال الفعلي لحدوث ذلك، سيكون من أكبر الأخطاء القاتلة لسورية ومن يدعمها.

لا شك أن الولايات المتحدة والغرب عموماً يحسبون الأمور الآن بدقة، بل منذ بدأت الأزمة السورية. والذي أخرهم في الحسم هو عدم دقة المعلومات التي زودهم بها حلفاؤهم – أو أدواتهم في الحقيقة – حول الحراك السوري واحتمالاته وتوجهاته. الوضع الآن يجعل من الأدوات كلها (المعارضة السورية المتحالفة شكلياً معهم أو التابعة لهم… تركيا.. السعودية… قطر…إلخ) مجرد مؤيدين مصفقين لا دور لهم. باستثناء دور هزيل سيعطى للأردن يتناسب مع حجمه، هو دور الساحة المستخدمة للعدوان أو لدعمه، وهو الدور الذي كانت تحلم به قطر.

ومع إقصاء الأدوات عن دور رئيسي لها، ولو على صعيد جمع المعلومات، يكون على الغرب بنفسه وتحديداً الولايات المتحدة أن تجمع المعلومات بنفسها بما يقرّبها من حسابات الدقة للربح والخسارة. ومهما تصورنا حجم الخيانة في العقل العربي في الخليج أو المعارضة السورية، فإن رؤية الولايات المتحدة لأهداف الضربة – إن حصلت – تختلف كثيراً عن الأوّليات التي يراها هؤلاء (العرب)؟! فالولايات المتحدة ستتوجه إلى الضربة وتختار أهدافها من زاوية رؤية واحدة، هي زاوية المصلحة الإسرائيلية فقط؟! ستضرب مواقع القوة الاستراتيجية للجيش السوري فقط إن استطاعت. ولن تكون معنية إطلاقاً بما هو أبعد من ذلك، سواء نصرة المعارضة أم إسقاط النظام. وستتحول الحرب في سورية إلى نشاط أكثر تدميراً للشعب والمقدرات، وأكثر بعداً عن أي حل سياسي أو حسم عسكري.

لا نقول ذلك في إطار التنبؤ، بل هم في الغرب الذين يقولونه ويعلنونه. ولم يعد في التصريحات الغربية والتوجهات المعلنة لهم أي اشارة إلى مسألة الديمقراطية التي يفترض أن كل هذا الحراك جرى للوصول إليها.

لا أعتقد أن في المعارضات السورية من يجهل هذه الحقيقة، بل هو يتجاهلها فقط. وهم جميعاً يعرفون الآن أن التوجه الأمريكي ليس لنصرتهم بل لتوظيف جبل الخيبة الذي منوا به لصالح إسرائيل! وعوضاً عن أن يعترضوا على ذلك يستعجلون بكل بؤس حصوله. وكأن في خراب كلي لبلدهم نصرة لهم! وعلى كل حال لم يعد لهم ما يقولونه أو يعلنونه إلا بيانات الخيبة. هل استمعتم لتصريحات الجربا؟!

من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تنته بعد من حسابات الربح والخسارة، وبالتالي لا نتوقع ضربة عسكرية مستعجلة لسورية. وفي حالة ثبات الرفض الروسي والموقف الإيراني قد يكون كل هذا التسخين مقدمة لجنيف 2 وبضمن ذلك (همروجة) السلاح الكيماوي.

العدد 1107 - 22/5/2024