ليس نزهة..!

عاشت المنطقة بل العالم في الأسبوع الماضي حالة قلق وانتظار،  بعد التهديدات الإمبريالية (الأمريكية والأوربية) والرجعية العربية، واستفزاز ضخّتْه وسائل الإعلام بكل قوتها وطاقاتها وإمكاناتها، من أجل بث الخوف والرعب في قلوب السوريين.

يتصور (زعماء الديمقراطية وحقوق الإنسان) في الحلف الأمريكي الأوربي السعودي، أن العدوان على سورية سيكون رحلة استجمام وترفيه لجنرالات الحرب، مدفوعة تكاليفه سلفاً من أموال النفط السعودي ومكرمة من صندوق بندر بن سلطان. ألا يخجل أمراء الإرهاب والنفط من القول: إنهم يدافعون عن حقوق المواطن السوري؟!

لقد رُسمت الخرائط وعُينت الأهداف ووقّعت العقود وحددت النتائج سلفاً، للعدوان المزمع تنفيذه في أيام وربما في ساعات، وتبريد الموقف وعدم (الترهيب) بأن البنتاغون لا يريد إسقاط النظام، بل ينفذ درساً تأديبياً لسورية وجيشها وشعبها. ولا يعلم هؤلاء أنهم لم يحفظوا دروس التاريخ جيداً. ولم يقرؤوا التاريخ النضالي الوطني للشعب السوري.

وظهر العالم المنقسم بين معارض للعدوان والحرب على سورية، وبين مؤيد بهدف تفتيت سورية وتقسيمها والهيمنة على المنطقة.

وبدأت مقدمات العدوان تبرز، بدءاً من إلغاء اجتماع (لاهاي) بين دبلوماسيين أمريكيين وروس في إطار التحضير لمؤتمر جنيف،2 وإلغاء لقاء القمة (الروسية الأمريكية). وتوجيه رسائل أمريكية إلى إيران عن طريق (سلطان عُمان)، لسحب اليد من سورية في مقابل رفع العقوبات عن إيران والاعتراف بحقوقها النووية. والرسول الثاني (فيلتمان) الذي كشف السر، عن رغبة الغرب في شن ضربة عسكرية لسورية. ومحاولة الثعلب الماكر بندر بن سلطان تقديم إغراءات لروسيا، وكأن روسيا دمية يحركها متى يشاء! ولا يعلم أنها دولة عظمى ومنافس قوي لأول دولة رأسمالية في العالم!

إن مضخات الإعلام الواسعة التي ترافقت مع أسلوب اعتدنا عليه، ببعث القلق النفسي والخوف من الصواريخ القادمة من قلب البحر المتوسط، كانت مقدمات متناقضة في اتخاذ القرار قبل تقديم لجنة الأمم المتحدة تقريرها عن استخدام الكيميائي في الغوطتين.

لقد سلك الأعداء أكثر من طريق لتأمين مشروعية التنفيذ. وبعد انسحاب مندوبَيْ روسيا والصين من اجتماع مجلس الأمن، رأى الأمريكان أن يبدؤوا العدوان بمعزل عن مجلس الأمن الدولي، وهم يعلمون جيداً أن (الفيتو) جاهز في حال عدم تجاوز مجلس الأمن.

وتبدلت الزوايا وتباينت المواقف والتصريحات، بعد الاعتراضات من بعض الحكومات والبرلمانات، وتأكيد بيان الأسباب لشن الحرب على سورية قبل أن يصدر قرار اللجنة الأممية. فمجلس العموم البريطاني رفض التدخل العسكري (285 صوتاً رفضوا الحرب، مقابل 272 أيدوا العدوان على سورية). وظل الأمريكيون يؤكدون نيتهم توجيه (ضربة)، رغم توقيع 116 نائباً من أصل ،435 وبينهم 18 ديمقراطياً، رسالة إلى الرئيس أوباما لمطالبته بدعوة الكونغرس إلى الاجتماع لطلب موافقته رسمياً على توجيه ضربات لسورية.

ولن ينسى أوباما الدرس الذي تعلّمه من سابقه (بوش) في العراق ومتابعة المدرسة الأفغانية في دورته الأولى وفي الدورة الثانية. وقال في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأمريكية: (إن بلاده لا تريد التورط في الحرب الأهلية في سورية، وأن الولايات المتحدة تنهج مقاربة لا تجرّها إلى صراع طويل أو تكرار حرب العراق).

وخرج العالم عن صمته، وبدأت الشعوب العربية والرأي العام العربي والعالمي، تدرك الخطر من حرب واسعة يمتد لهبها ليس فقط إلى بلدان الجوار، بل إلى بلدان المنطقة كلها.. وإذا عرفت البداية فنهاية الحرب لا أحد يقدر نهايتها ونتائجها!

لقد بدأت الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أوربية وعربية.. وأعلن عدد من الدول امتناعها عن المشاركة في العدوان على سورية كبريطانيا وكندا وإيطاليا وألمانيا، وأصدرت عشرات الأحزاب والقوى السياسية اليسارية ومنظمات المجتمع المدني، بيانات إدانة لرؤوس الحرب والعدوان والتدخل في الشؤون الداخلية. وتوجهت إلى البحر المتوسط قطع عسكرية روسية (سفينة مضادة للغواصات وطراد صواريخ)، واستنفرت القوى والأحزاب والنقابات والاتحادات في سورية لدعم الجيش العربي السوري، والوقوف صفاً واحداً في خندق التصدي ومواجهة أرباب العدوان والحرب على سورية، حتى لا تصبح المنطقة العربية تحت الوصاية الإمبريالية والإسرائيلية والرجعية العربية.

العدد 1105 - 01/5/2024