أوباما يقدم أدلة مشبوهة.. ويستنجد بالكونغرس

السوريون صامدون وأزمتهم لا تحلها البوارج والصواريخ

لاحظ المراقبون السياسيون في الولايات المتحدة وأوربا، السياق المتأرجح وغير المقنع الذي اعتمده أوباما ووزير خارجيته كيري، لتبرير العدوان العسكري على سورية. لقد شعر الجميع أن الضربة العسكرية التي وصفاها ب(المحدودة)، أُقرت نتيجة للضغط الكبير الذي يمارس على أوباما للتدخل العسكري في الأزمة السورية. وقبل البحث في التبريرات السياسية والمنطقية لهذا القرار. فما ذكره عن حقائق وأدلة تولت تحضيرها المخابرات المركزية الأمريكية ما هي إلا (محض هراء) كما وصفها الرئيس بوتين، الذي دعا الأمريكيين إلى كشف هذه الأدلة، وإلا فهي غير موجودة.

شعوب العالم تذكر جيداً تقارير الAIC الملفقة الكاذبة، التي تُحضّر بناء على الطلب، حين تختار الإمبريالية الأمريكية لعب دور الشرطي العالمي.. فمن لا يذكر تقاريرها قبيل غزو فيتنام، وأفغانستان، والعراق؟

إن (محدودية) الضربة العسكرية لا يخفف من التورط العسكري الأمريكي المباشر في الأزمة السورية، فالأمر هنا ليس مساعدة تحت جنح الظلام، تقدم للمجموعات الإرهابية، أو للوسطاء الخليجيين والعثمانيين الجدد، بل تدخل عسكري، وانتهاك لسيادة الدولة السورية، وفرض توازن عجز عن تنفيذه الإرهابيون بعد تقدم الجيش السوري.. هذا التوازن الذي وضعته الإدارة الأمريكية شرطاً أساسياً لعقد جنيف.2. محدودية الضربة، كما يتوهم الأمريكيون، يجعلها قابلة للامتصاص والتقبل، بل الرضوخ السوري.. وهنا تكرر الإمبريالية الأمريكية سيناريوهات التدخلات (المحدودة) التي تحولت بعد ذلك إلى حروب شاملة خرجت منها ملطخة الجبين.. فالشعوب لا تفهم المحدودية الأمريكية، ولا تمتص عدوانها، ولا ترضخ له، وهذا ما فعله الفيتناميون، وهذا ما سيفعله السوريون، إذا ما تجرأ أوباما على تنفيذ عدوانه.

ونتساءل بحسرة: أليس مخزياً وعاراً على من يدّعي تمثيل الشعب السوري في الخارج أمام الميكروفونات، وفي صالونات الفنادق الأوربية والخليجية والتركية، أن يصفق للعدوان، ويهلل لاستباحة بلاده، بل ويطالب بأن تمهد صواريخ (توماهوك) لاحتلال أمريكي مباشر.. في الوقت الذي خذل فيه مجلس العموم رئيس الوزراء البريطاني، وعارضت فيه قوى السلام واليسار ومنظمات المجتمع المدني الأوربي العدوان الأمريكي، وخرجت المسيرات في عديد المدن الأوربية والأمريكية، لمطالبة أوباما بوقف عدوانه، واللجوء إلى الحل السياسي للأزمة السورية؟

لقد رفضت مصر وتونس ولبنان والعراق والجزائر توجيه أي ضربة عسكرية أمريكية لسورية، وأعلنت أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية وشعبية عربية تضامنها مع الشعب السوري، وطالبت حركة (تمرد) المصرية التي حشدت التأييد لخلع حكم محمد مرسي في مصر، بإغلاق قناة السويس في وجه البوارج الأمريكية والحليفة المشاركة بالعدوان على سورية. كذلك أعلنت إيران شجبها للعدوان، وأبدت عزمها على الوقوف إلى جانب الشعب السوري، محذرة من عواقب تحول الضربة (المحدودة) إلى حرب إقليمية شاملة لن تقف فيها مكتوفة الأيدي.

لقد استنجد أوباما أخيراً بالكونغرس، دون أن يتراجع عن قرار تنفيذ ضربته (العقابية)، رغم استطلاعات الرأي التي تجرى كل يوم، والتي تظهر بوضوح معارضة المواطنين الأمريكيين للاعتداء على السيادة السورية، ولكن متى كانت آراء المواطنين عاملاً في سلوك الإدارة الأمريكية؟

السوريون كانوا ومازالوا يطالبون بحل أزمتهم بالطرق السياسية، وعبر حوارهم الوطني الشامل، الذي يحافظ على ثوابتهم الوطنية المعادية للإمبريالية الأمريكية، ويحترم خياراتهم الديمقراطية، وهذا ما أكدته الحكومة السورية بموافقتها غير المشروطة على حضور جنيف ،2 وهذا أيضاً ما أحرج الأمريكيين والخليجيين الذين يسعون واهمين إلى توازن على الأرض، يضمن للمعارضة المسلحة موقعاً تفاوضياً متميزاً في المؤتمر العتيد.

الشعب السوري مصمم على الدفاع عن بلاده ضد العدوان الأمريكي، وجيشه الوطني، كما كان دائماً، سيحمي استقلالها، فسيادة سورية خط أحمر، وحريتها خط أحمر، وكرامة شعبها خط أحمر.

لم يؤجل أوباما ضربته العسكرية إلى ما بعد انعقاد الكونغرس، فقد صرح علناً باحتمال (كبس) الأزرار بعد ساعة، أو يوم.. وما على السوريين إلا التيقظ ووضع أصابعهم على الزناد.. فقد خبرنا ألاعيب الأمريكيين جيداً.

العدد 1105 - 01/5/2024