الانتحار في القوانين

هنالك مجتمعات أباحت الانتحار، كقدماء الهنود واليابانيين وجماعات الأسكيمو، إذ يقدم المنتحر على هذا السلوك طلباً للبطولة أو الشرف أو فداء للعقيدة أو وفاء للعلاقات الشخصية، وهناك مجتمعات قيدت الانتحار بالحصول على إذن كما  في أثينا مثلاً. وهذا ما يتعلق بالمجتمعات القديمة، في حين نجد المجتمعات الحديثة تنظر إلى الانتحار على أنه مشكلة توحي بالجزع والقلق لما فيه من تعدٍّ واعتراض على حكم الله  وقضائه، مما يجلعه سلوكاً غير سوي ترفضه الأخلاق ويمقته الدين.

 وسنت التشريعات التي تحرم قتل الإنسان بغير حق وعاقبت عليه. فأغلب التشريعات الجزائية في العالم اعتبرت الانتحار والشروع فيه والمساهمة فيه جرائم يعاقب عليها القانون، فقبل الثورة الفرنسية كان المنتحر يحاكم بعد وفاته، وكذلك القانون الإنكليزي كان يعاقب على الانتحار ويجرمه. أما التشريعات الجزائية الحديثة فإنها لا تعاقب على الانتحار ولا على الشروع فيه، وتُخرج هذه الظاهرة من نطاق القانون وتدخلها حيز الدين والأخلاق. فالقانون النمساوي وكذلك القانون اليوناني والإسباني يعاقب على الاشتراك في الانتحار. والقانون المصري لا يعاقب على فعل الانتحار وجرم التحريض والمساعدة فيه دون الفعل ذاته. وكل من القانون اللبناني والقانون السوري  جرم التحريض والتدخل ولم يعاقب على الفعل أو الشروع به كما فعلت التشريعات الأوربية، فعاقب على التحريض عليه ولو بقي في مرحلة الشروع. ولكن  المشرع السوري  أخذ ببعض الظروف المخففة من مسؤولية القاتل، لأنها لا تنم عن خطورة بالغة مثل (قتل الأم وليدها اتقاء العار – القتل إشفاقاً بطلب المجني عليه – التحريض أو المساعدة على الانتحار). فنصت المادة 528 من قانون العقوبات: يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنساناً قصداً بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب)، فالدافع هنا نبيل وإنساني وهو الإشفاق.

عاقب قانون العقوبات السوري المحرض على الانتحار في المادة 539 التي نصت:

 1- من حمل إنساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 218 على قتل نفسه عوقب بالاعتقال عشر سنوات إذا تم الانتحار.

2 عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين في حالة الشروع ونجم عنه إيذاء أو عجز دائم.

3- إذا كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثاً دون الخامسة عشرة من عمره  أو معتوهاً طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه).

فالتحريض على الانتحار هو (حمل شخص آخر ومحاولة حثه بأي طريقة كانت على الإقدام على هذه الجريمة)، فلم يعاقب المشرع السوري على الانتحار ولم يعتبره جريمة وعلى الشروع فيه لأن المنتحر يهدد حقه في الحياة وهو حق خاص به ويمس سلامته. وبحسب مبدأ شخصية العقوبات تسقط العقوبة بوفاة المنتحر، أما ملاحقه من شرع  في قتل نفسه فلا فائدة من الملاحقة الجزائية وفرض عقاب عليه.

أما التحريض وإبداء العون للمنتحر فيجب معاقبة مقترفه لأن فعله يمس حياة الغير، والمشرع جعل التحريض جريمة قائمة بذاتها لأن من يعبث بحياة الآخرين ويدفعهم للانتحار ويقدم لهم الأداة للانتحار هو شخصية خبيثة وخطرة وجدير بالعقاب، وعقوبته  أخف إذا لم يمت المنتحر.

فقانون العقوبات تحدث عن قتل النفس ولم يتحدث عن إيذاء الشخص لنفسه، فيجب وضع تدابير عقابية تتصدى لمن يحاول الإقدام على الانتحار. فالقانون لم يثبت فعاليته في منع الانتحار بل في كف محرض الانتحار لذلك فإن الوقاية من الانتحار هي خارج النطاق القانوني.

فالأمر يحتاج إلى علاج اجتماعي ونفسي وسياسي وقانوني واقتصادي وديني وثقافي وإقامة العدل وإحقاق الحق ووضع تشريعات تمنع الانتحار وتعتبره جريمة يعاقب عليها القانون، وسن مواد قانونية تلزم الجهات المختصة الصحية والقضائية بتحويل الحالات الانتحارية إلى عيادات علاج نفسي متخصصة أو إلى مشفى الأمراض العقلية لمنع هذه الجريمة التي تنهش في عظام شبابنا، وذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والمؤسسة الدينية والعمل بنظام التكافل الاجتماعي وإحقاق العدالة الاجتماعية.

العدد 1107 - 22/5/2024