في يوم الطفل العالمي… أطفال سوريون بلا طفولة

حينما نفكر بأي طفل في الحادية عشرة من عمره لا يخطر ببالنا سوى أنه طفل يرتاد المدرسة في الصباح، ويلعب مع أصدقائه وقت الظهيرة، ويستمتع بتناول وجبة العشاء مع أسرته عند المساء. أما بالنسبة للأطفال اللاجئين السوريين، كهاني (البالغ من العمر أحد عشر عاماً)، فتلك الأمور باتت من الذكريات الماضية.

هرب هاني مع عائلته من حمص، والآن يقوم هاني بحمل الصناديق الثقيلة المعبأة بالخضر والفواكه في منطقة المفرق شمال الأردن، حيث يباشر عمله في الساعة الثامنة صباحاً وينتهي منه في الساعة الثامنة مساء، ويقوم بجر الصناديق الموجودة في الركن الخلفي للمتجر وذلك لإعادة تعبئة الأكشاك، ويعتبر هاني طفلاً من بين عشرات الآلاف من الأطفال اللاجئين في الأردن ولبنان وغيرها من الدول المجاورة، الذين توجب عليهم ترك المدارس والملاعب ودخول سوق العمل بظروف صعبة، إذ تحتم عليهم أن ينضجوا بين ليلة وضحاها لكي يتمكنوا من إعالة أسرهم.

أما هاني الذي لا يتجاوز طوله المتر والنصف متر، وأطرافه نحيلة كأعواد الثقاب، فهو ليس أكثر من مجرد كومة صغيرة من العظام، ولهذا فهو يعاني كثيراً عند حمل الصناديق الثقيلة، وبما أن حجمه صغير للغاية، فإنه يتوجب عليك أن تمعن النظر حتى تتمكن من رؤيته خلف الصناديق الكبيرة التي تضم الطماطم والموز والبطيخ والخوخ الموضوعة على طاولة البيع العالية، ولكن هل من الواجب على فتى بحجم هاني أن يناضل ويعمل في هذا المجال الذي يتطلب قوة عضلية كبيرة؟ أما من خيار آخر أمامه؟ بما أني أم لفتاتين فقد طرحت على نفسي هذا السؤال مرات عديدة، إلا أن الجواب كان في كل مرة يأتيني بالنفي للأسف.

رحلة الكفاح اليومية من أجل لقمة العيش

يتعين على أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري في المنطقة أن يسعوا في رحلة كفاح يومية من أجل لقمة العيش، فبعد مرور ما يقارب السنوات الأربع على بداية الأزمة السورية، يبدو أن جميع الموارد قد نضبت، وهذا ما جعل والد هاني تردد قبل أن يرسل ولده للعمل، فلقد دمعت عيناه وهو يحاول أن يشرح لنا كيف توصل إلى هذا القرار، وذلك حينما قال: (لست أدري ما الذي يجب أن أفعله، أشعر بالخجل من نفسي لأنه يتعين على ابني أن يعمل، وذلك لأنني لم أستطع أن أجد عملاً ولا يحق لي أن أعمل بموجب القانون الأردني هنا، كما أنني أخاف من العودة القسرية لسورية، أما بالنسبة للأطفال فالتبعات القانونية ليست بتلك الصرامة، ولهذا فكرت بوالدي وحاولت أن أساعد أسرتي قدر الإمكان).

ولكن في معظم الحالات تضطر النساء للهرب وحدهن بصحبة أولادهن، وذلك عند بقاء الأزواج في سورية أو وفاتهم هناك، وهنا يتعين غالباً على الصغار من الأبناء الذكور أن ينخرطوا في سوق العمل ليؤمنوا لقمة العيش لأسرهم، وحول ذلك كشف تقييم صادر عن مؤسسة CARE  في نيسان 2014 أن نصف الفتيان السوريين اللاجئين في الأردن يرتادون المدارس، أما النصف الباقي فلا.

إجبار الفتيات على الزواج في سن مبكرة

أما بالنسبة للفتيات فإن كفاح أسرهن على الصعيد الاقتصادي غالباً ما يعني أن عليهن أن يتزوجن في سن أبكر من سن الزواج مما لو بقين في سورية، وذلك لأنه من الصعب على الأبوين أن يتمكنا من تأمين الطعام والشراب لسائر الأبناء والبنات، لأنهم يكافحون من أجل لقمة العيش التي يحصلون عليها في الأردن وغيرها من دول الجوار، وبحسب تقرير صدر عام 2012 عن منظمة اليونسيف فإن فتاة واحدة من بين كل خمس فتيات تم ترتيب أمور زواجها في سن مبكرة، أما خلال الربع الأول من عام 2014 فقد أصبحت النسبة تعادل فتاة واحدة من بين كل ثلاث فتيات.

ويعرب هاني عن محبته للعمل الذي يزاوله، لكنه يشعر بالتعب حينما يعود إلى منزله بعد عناء اثنتي عشرة ساعة يقضيها في العمل، ومنزله هذا ليس أكثر من شقة مؤلفة من غرفة نوم واحدة ذات جدران تغزوها الرطوبة والعفن، ينام فيها كل من هاني وشقيقاته الخمس مع أبيه وأمه. وينفق هاني ما يقارب 50,1 جنيه إسترليني يتقاضاها يومياً من عمله على شراء الطعام لأسرته كما يساهم في دفع إيجار الشقة. لكن هاني لديه حلم واحد فقط عبر عنه بقوله: (أريد العودة إلى الوطن، لقد اشتقت لأصدقائي المقربين وللعبة البلاي ستيشن، كما أريد أن أعود إلى مدرستي لأصبح مهندساً وأعيد بناء مدينتي حمص).

المصدر: مؤسسة care للأطفال

 

العدد 1107 - 22/5/2024