قانون الجنسية ذكوري بامتياز.. هل يؤنث؟

ترتبط المرأة في مجتمعاتنا برجل مسؤول عنها، فهي تتبع الأب ومن ثم الزوج  وبالتالي تحصل على جنسيته، ولكنها لا تملك الحق بإعطائه الجنسية لأنها قانوناً وشرعاً واجتماعياً تعتبر تابعة وليست شريكة.

وباعتبار الجنسية رابطة قانونية وسياسية بين فرد ودولة معينة يصبح الفرد بموجبها أحد السكان المكونين لها، وهي المؤشر للاعتراف القانوني بوضع الفرد كمواطن يستطيع أن ينقل وضعه هذا إلى زوجه /زوجته أو أولاده. ومن هنا فقد كرس قانون الجنسية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 تبعية المرأة للرجل،  فقد نص في المادة 3 منه على أنه (يعتبر عربياً سورياً حكماٌ -أ- من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري -ب- من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبه إلى أبيه قانوناً -ج- من ولد في القطر من والدين مجهولين  أو مجهولي الجنسية  ويعتبر اللقيط مولوداً فيه.. إلخ – د – من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية -ك -من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ………..) فالقانون هو الذي يحدد شروط اكتساب الجنسية وفقدانها أو يرتب عليها حقوقاً وواجبات متبادلة بين الدولة وكل فرد من رعاياها، وبذلك يكون المشرع السوري قد ارتكز على أساس حق الدم في منح الجنسية السورية لجهة الأب لاعتبارات دينة وقومية، وسمح للأم بمنح جنسيتها لأطفالها ضمن ظرف معين خاص وحرمها من إعطاء الجنسية للزوج والأولاد.

وتقوم الجنسية أيضاً على الرابطة السياسية التي تستند على فكرة الولاء السياسي للفرد إزاء دولته، ويتمثل في شعور الفرد بكيانه كعضو في الدولة واستعداده للقيام بما تفرضه عليه تلك العضوية من أعباء تتصل بمصالح تلك الدولة.

في حين نص الدستور السوري لعام 2012 في المادة 20 منه على:

1- الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها.

2- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم).

وأيضاً نصت المادة 33 منه ف3 على: (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين  أو العقيدة). ونصت ف4 على: (تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين).

فالدستور السوري جعل المواطنين سواسية، في الحقوق والواجبات العامة رجالاً ونساء وحمى الطفولة والأمومة والأسرة لأنه واجب على الدولة، فمن حق الطفل الحياة والرعاية من والديه والحق في العيش في مجتمع يشعر حقاً بالانتماء إليه وأن يعترف هذا المجتمع بشرعية وجوده بإكسابه جنسيته، وبما أن الدستور هو أسمى من القانون ومصدر الشرعه، فيجب أن لا يحتوي القانون على نص يخالف نصاً دستورياً.

إلا أن قانون الجنسية السورية خالف الدستور مخالفة واضحة، فقد كرس التمييز بين الرجل والمرأة في تقييد حق المرأة في منح جنسيتها لأولادها ولزوجها الأجنبي مقارنة بالرجل، وهذا التمييز غير مبرر لأنه منطقياً لا يتصل بالنسب أساساً وإنما هو قرار سياسي، وهو انتهاك صريح للدستور ولشرعية حقوق الإنسان، وهو مناف لروح ومضمون الاتفاقيات الدولية حول المرأة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل والمعاهدات الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية).

فوجود هذه المفارقات والهوة بين الدستور وقانون الجنسية جعل من تعديل قانون الجنسية خطوة لابد منها لإعمال مبادئ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ذلك أن حرمان الأولاد من جنسية الأم يحرمهم من الإقامة في بلد الأم والزواج والسفر والتداعي أمام المحاكم، ويؤدي إلى ضياع حقوقهم وتفكك الأسرة وتشرذمها، ويفقدهم حق التملك والمشاركة في الحياة السياسة والوطنية، وهذا الأمر يزداد سوءاً مع تقدم الأبناء في العمر وبلوغهم مرحلة الشباب، مرحلة التفاعل والتواصل مع مجتمع ينتمون إليه قلباً وقالباً، ولكنه لايعترف حتى بوجودهم على أرضه.

 إن المطالبين بالحصول على الجنسية هم بأشد الحاجة اليها فلا يعرفون وطناً آخر غير سورية وينتمون ورقياً لبلد آخر.

فلا بد من تعديل الفقرة أ من المادة 3 من قانون الجنسية بحيث تتحقق المساواة بين الرجل والمرأة في حق منح الجنسية لأولادها انسجاماً مع النصوص الدستورية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

وكذلك رفع التحفظ على المادة التاسعة من اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة (سيداو)- وتعديل المواد (9-10-12-14) من قانون الجنسية السوري.

وتقع مهمة هذا التعديل على عاتق السلطة التشريعية بإقرار قانون يحوي حلولاً حقيقية لرفع معاناة النساء التي دامت سنوات طويلة، وذلك بتغيير التشريعات والقوانين التي تحول دون إعطاء المرأة حق منح جنسيتها لزوجها وأولادها، وإزالة التناقض بين الدستور وقانون الجنسية.

العدد 1105 - 01/5/2024