تعليم المرأة وعملها سلاح.. هل يقاوم أسلحة المجتمع؟!

مما لا يخفى على أحد أنّ ما وصلنا إليه في يومنا هذا من تطور العلم وصعوبة المعيشة.. فرض على المجتمع رفع القيود عن تعليم المرأة، باعتباره سلاحاً تكتسب من خلاله المرأة درعاً لمواجهة ما تلاقيه من صعوبات ماديّة أو لاكتساب مكانة اجتماعية مرموقة باتت لها أهمية كبرى في التقييم الاجتماعي.

في هذه المقالة سنسعى لمناقشة نقطتين: ماهية الضغوط على الفتيات أثناء مرحلتها المدرسية، وآراء المجتمع في المرأة المتعلمة ..

وبسبب التعدد الكبير في مجتمعاتنا تختلف العادات، فمما لا شك فيه أن المدن تستوعب تعليم المرأة أكثر من المناطق الريفية التي لا يزال بعضها متأخراً جداً من حيث التعليم الإعدادي والثانويّ، ففي هذه المناطق التي تحتاج إلى تحسينات جمّة وخصوصاً بعد هذه الأزمة.. نجد صعوبات كبيرة في تقبل فكرة انتقال الفتيات إلى مسافات بعيدة سعياً وراء تعليمها، وفي مناطق أخرى يتم اعتبار ذلك نوعاً من إعطائها حريّة يخشونها، والحق بأنه في يومنا هذا، مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة واستمرار التعامل مع الفتيات بالأسلوب ذاته من الكبت الأعمى، باتت معظم الفتيات يعانين الأمرّين أثناء فترة مراهقتهن، في ظل تشتت عقولهن بين غريزتهن وخوفهن، مما يؤدي إلى تعرض الكثيرات منهن للفشل، هذه الفترة الحساسة بالنسبة لتحصيلها المدرسيّ وعلى وجه الخصوص في المرحلة الثانوية..

كثيرة هي القصص التي تحكي عن فتيات في عمر السادسة عشرة والسابعة عشرة تعانين ضغوطاً هائلة نتيجة تشعّب تفكيرهن بين متابعة التعليم وآراء المجتمع بأهمية الزواج وبالخوف من العنوسة، وهذا يوقعهن في أخطاء طبيعية بالنسبة لظروفهن تنجم عن تشتتهن، فهن سيحاولن متابعة التعليم ولن يفوّتن على أنفسهن فرصة الزواج أو التعرف على الشريك ولو كان الوقت مبكّراً، وهنا تقول الاختصاصية النفسية سحر زيادة: (وما الذي نتوقعه من مراهقات تتاح لهنّ فرص للتعارف من غير ضوابط؟ الأمر حتماً سيكون مصدراً خطيراً لابتعادهن عن دراستهن، ولكن يمكن حل الأمر هذا، بسعي الأهالي إلى تفهم بناتهن من خلال جعل المصارحة بكل شيء دون استثناء أمراً عاديّاً وبلا توبيخ، وهذا يتطلب وعياً كبيراً من قبل الأهالي).

عدا أن وسائل الاتصال الحديثة هذه أصبحت تسلب عقول الكثيرين فتياناً وشباناً بما لا يصبّ في صالح تحصيلهم الدراسيّ، بل إضاعة طاقاتهم والتعارف السطحي الذي يودي بالكثير من المراهقات في مآزق.. لتصبح معظم الفتيات مجبرات على أن يبتلعن معاناتهن وحيدات خشية العار، ويتعرضن لضغوطات قد تودي بهن إلى الانتحار دون أن يتفهم المجتمع أن الظروف الحياتية قد تغيرت والحل ما عاد بإخفاء الأسرار تحت السجادة كما يُقال.. 

وفي مراكز الإيواء يتعرض الطلاب إلى ضغوط دراسيّة بسبب الأعداد الكبيرة واحتشاد العائلات في مساحات صغيرة..

وقد قالت فادية (الصف العاشر) وهي سورية هاجرت من مخيم اليرموك إلى مراكز الإيواء:

(من يرى الوضع هناك، بحيث تجلس كل عائلة في غرفة يعلم تماماً أن الدراسة تغدو شبه مستحيلة، هذا أكبر ضغط تعرضتُ له، كما أنّ الأوضاع السيئة والشعور بانسداد الأفق أمامنا، يخفض من الهمّة كثيراً).

من ناحية أخرى انتشرت ظاهرة باتت تعتبر خطيرة حقاً، فبسبب صعوبة الأحوال الماديّة أصبحت بعض العائلات تسعى لتزويج فتياتها مبكراً، خصوصاً في المناطق التي أدت الأحوال الأخيرة إلى تركهم بلدهم ومنازلهم وتعطلوا عن العمل، وعن ذلك سألنا لبنى سكر التي قالت:

(دون مبالغة، نحو نصف صديقاتي تزوجن وهجرن تعليمهن، والسبب دوماً، أن الذي تقدم لهن قادر على أن يجعلهن يعشن حياةً أفضل، فحينما تكون الحالة الماديّة للعائلة سيئة تشعر الفتاة بالخطر، كوجودها في سفينة تغرق، فترغب هي وعائلتها بتغيير هذا الوضع، تظن أنها هكذا تنال حظاً أفضل، وترتاح عائلتها من مصروفها!).

هذه الظاهرة التي باتت خطيرة حقاً، لن يحلها أفضل من وقف الحرب هذه..

ولكن حتى لو أتمت الفتاة تعليهما فهل يحميها ذلك من الاستغلال؟ وما نظرة المجتمع إليها؟

في الحقيقة، قد يبدو في الأمر الإيجابيّ وهو اكتساب شهادة علمية مرموقة جانبٌ مأساويّ! فالكثيرون يرون في المرأة المتعلمة مصدراً للرزق دون إعانتها على دورها الطبيعي هي وزوجها كشركاء وهو العناية بعائلتهما وأطفالهما، فهو يعتبر هذا دور المرأة وحدها، ما ينهكها في دور مزدوج ومضاعف..

سألنا المعلمة زهرة الخوص (وهي مدرّسة لمادة الجغرافية) عن تجربتها الطويلة في المجال التعليمي فقالت:

(من المهم أن تحصل الفتاة على شهادة جامعية، لكن لا أن تسخرها لغيرها، لا بدّ حتماً من التضحية، لكن ليس على حساب راحتها الجسدية وحقها الطبيعي في الاستمتاع بالمدخول الذي يجلبه لها عملها، فنحن نجد أن معظم النسوة لا يعملن إلا عندما يكون هنالك حاجة ماسة، وإلا فنراها تضع شهادتها الجامعية وتلزم المنزل!

ومن هنا يأتي منبع الخلل، بحيث لا تتمكن المرأة من الإنجاز، حينما تعمل فهي تعمل بسبب ظروف صعبة أو لا تعمل، إذاً فمن النادر أن نجد امرأة تعمل لتثبت نفسها وتطور عملها وتدخل مضمار التجارة وغيرها..).

ومن جهة أخرى هنالك عدم تكافؤ في العمل في بعض المهن بين المرأة والرجل، كالمهن التي تُعتبر أنها تتطلب اختلاطاً كبيراً أو عملاً جسدياً..

لا أحد يريد أن يحمّل المرأة فوق طاقتها، لكن ما المانع بأن تكون في موقع مسؤولية؟

كثيرات هنّ المهندسات اللاتي لا تتمكن من تعهد مشروع والإشراف على البناء لقلة الثقة بها، مع أنها قد تكون أكثر علماً من زملائها من المهندسين، لكن هنالك نظرة تقيدها ولا تعطيها حقها من الفرص، وعن ذاك قالت مهندسة الكهرباء لجين الهاشمي:

(ما الذي يمكن لي أن أفعله، إن لم ترغب المكاتب الاستشارية التي تضم مهندسين متعددين لدراسة الأمور البنائية من الجوانب كافة لأني امرأة فقط! أنا لن أقوم بتمديد خطوط الكهرباء في المبنى ولكن سأشرف على هذا، لا أحد إلى الآن وثق بي حتى دون تجربتي، لمجرد كوني امرأة! هنا أشعر بنفسي عاجزة وساخطة على هذه الأفكار).

وكثيرات أيضاً الطبيبات اللواتي لا يتاح لهن اكتساب الخبرة الكاملة التي ستجعلهن يدخلن مضمار العمل بقوة، بسبب عدم توفر الوقت لديهن في حال كانت الطبيبة أمّاً.

إذاً ففي حال أرادت المرأة العمل، يجب أن تُقسم المهام بين الزوج والزوجة بالتساوي بحيث يتعاونان في الأمور المنزلية والمهنية بشكل متكافئ، لا أن ينأى الرجل بنفسه ويرمي المسؤوليات المنزلية لزوجته العاملة كلها باعتباره رجلاً يرى في مساهمته في الأمور المنزلية انتقاصاً لرجولته، وهي في الحقيقة الفكرة السائدة التي تنم عن تفكير قاصر..

حول هذا قالت حنين الشيخ قادري (وهي معلمة لها ثلاثة أطفال وزوجها عامل):

(يأتي زوجي من عمله ويحظى بالراحة، بينما آتي أنا وأواجه أكواماً من المسؤوليات المنزلية.. كتحضير الطعام وتعليم الأطفال وترتيب المنزل وأعود منهكة للنوم  متأخرة واستيقظ في اليوم التالي مبكراً لأتوجه إلى عملي، المنطق يقول إن التشارك في المسؤوليات المنزلية يتطلب مشاركة حقيقية من الرجل في المهام المنزلية وإلا.. سيطحن الزمن هذه المرأة المسكينة وتتمنى لو لم تعمل يوماً!).

في النهاية لا بدّ أن نرى كم هو ضروري للفتاة أن تتعلم، لكن الأمر يتطلب من المرأة أن تكون واعية بحيث لا يتم استغلال شهادتها، وأن تختار شريكاً يقبل أن تعمل وأن يعينها وأن يكون شريكاً لا سيداً يرى كل ما فيها بما فيه عملها ملكاً له، وأن تحدد خياراتها بدقة وألا تخشى اقتحام مضمار العمل بإرادة قوية ورغبة صادقة في إثبات الذات والإنجاز والتطوير.

العدد 1105 - 01/5/2024