تشريع حرمان المرأة من الولاية والوصاية والقوامة

يعتبر قانون الأحوال الشخصية من أهم القوانين وأكثرها مساساً بالأسرة عموما والمرأة على وجه الخصوص، فهو يرتب كل ما يتعلق بالإنسان وأسرته من حقوق والتزامات فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث، لكنه جاء متناقضاً تناقضاً كلياً مع مبادئ الدستور السوري الذي أكد في المادة (25) ف3 على أن (المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات )وأقر الدستور السوري أيضا للمرأة بكافة حقوقها كمواطنة في مواده (44-45) ونص على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بالإضافة الى ما نص عليه القانون الدولي وكافة المعاهدات الدولية التي تتضمن جميعها مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة في كافة مناحي الحياة، وخصوصاً في الحقوق والواجبات. وقد ساوت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بين الأم والأب في الولاية والوصاية والقوامة على أطفالها وفي جميع الأمور المتعلقة بهم بالمادة (16).

فالأسرة هي خلية المجتمع الأساسية بتكامل الأب والأم والأولاد، وارتباط المرأة بالأسرة بدور الأمومة ميزها بمسؤوليتها تجاه أطفالها فهي المربية والحاضنة طالما الرابطة الزوجية قائمة والأولاد بكنف الزوجين. فلا تحرم المرأة من ممارسة جميع الأمور المتعلقة بأطفالها.

فأولى الناس في رعاية الصغير أبويه أو أحدهما في غياب الآخر، فهما أرفق بالصغير وأشد الناس حرصاً على نفسه وماله.ولا تبرز المشكلة في الولاية والوصاية والقوامة على الأولاد القصّر إلا في حال الطلاق أو التفريق أو موت أحد الزوجين. وباعتبار القصر حالة استثنائية ومؤقتة يمر بها الإنسان بسبب الصغر أو أي عارض من عوارض الأهلية، فقد قام رجال الفقه والقانون بترتيب الأحقية في الولاية والوصاية والقوامة حفاظاً على حقوق القاصرين (الأبوه – الأخوه – العمومة)، وقد نصت المادة /47/ من القانون المدني على أن (يخضع فاقدو الأهلية وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو القوامة ووفقاً للقواعد المقررة في القانون) وقد اصطلح قانون الأحوال الشخصية في المادة /136/ منه على تسميات لأنواع الولاية على القاصرين وفيها:

 1- النيابة الشرعية عن الغير تكون إما ولاية أو وصاية أو قوامة وإما وكالة قضائية.

 2- الولاية للأقارب للأب أو غيره والوصاية على الأيتام والقوامة على المجانين والمعتوهين والمغفلين والسفهاء والوكالة القضائية عن الغائبين .

ومن شروط الولي أو الوصي التي حددها المشرع في الشخص الذي سيتولى مهمة العناية والأشراف على شخص القاصر وماله وتنطبق أيضاً على القيم وهي (العدالة -كمال الأهلية – الكفاءة – أن يكون متحداً في الدين مع من يولى عليه – مطلق اليد في ماله) 

من خلال ذلك نجد أن قانون الأحوال الشخصية كرس في مواده وخاصة المواد (170 -172) عدم أهلية المرأة وحقها في الوصاية على أبنائها بعد أن أعطت الأب، ومن بعده ذكور العائلة، حق الولاية على أولاده، ولم يعطِ هذا الحق للأم وبقي دورها محصوراً في الخدمة فقط حتى لو كانت هي وحدها المتكفلة برعايتهم وتنشئتهم، فعلى المشرع ازالة التناقض بين دور الام تحت مظلة الزوج وبين دورها كأم مسلوبة الحق عندما تنهار الرابطة الزوجية تحت وطأة تقاليد وأعراف سائدة لا تولد غير الظلم والاستبداد بحقوق المرأة.

فرغم انضمام سورية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة (سيداو) لكن أتت التحفظات لتلغي أي أمل للمرأة في تحسين وضعها، خاصة على الصعيد القانوني، فتفعيل التشريعات الدولية عموماً يصطدم بقوى اقتصادية واجتماعية تحاول الحدمن تأثير هذه الاتفاقيات. فقد وصلت المرأة السورية في طموحها وجدارتها إلى أعلى المراتب المجتمعية، وهي لا تقل عن الرجل في كفاءته ومقدرته، ورغم ذلك مازالت لا تستطيع بحكم القانون أن تحضن أولادها إذا فقدوا والدهم، فالخلل المسبب لعدم المساواة بين الرجل والمرأة لايكمن فقط في بعض التشريعات أو القوانين الموروثة، بل وفي الكثير من العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة التي تحكم وتتحكم في أفراد المجتمع عامة والنساء خاصة. وبحسب القانون الحالي لا ولاية للمراة على مال أولادها القصر، وحتى لو عينت وصية تكون الوصية مقيدة بالرجوع للقاضي الشرعي للحصول على إذن شرعي منه.فيجب تعديل نصوص قانون الأحوال الشخصية والنص صراحة على تساوي الأم والأب في الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بأطفالهم، وخاصة الولاية والوصاية والقوامة بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية، وحتى لايصبح الصغير مطمعاً للغير إن كان جداً أو عما أو أخاً. فالاستمرار بالعمل بقانون الأحوال الشخصية هو انتهاك مستمر ومشرعن لحقوق المرأة.

العدد 1105 - 01/5/2024