عنف النساء ضد النساء

سُلّم عالمياً بأن النساء والأطفال هم من ينالون القسط الأكبر من العنف بجميع أشكاله، ويزداد هذا العنف قسوة وامتداداً عندما تقع الحروب، كوارث تدفع فيها هذه الفئات المستضعفة الثمن الأغلى.

في البحث عن موضوع العنف الذي تختلف تعريفاته حسب السياق الذي تتم دراسته، نستعين بتعريف الموسوعة العلميةUniversals) ) التي تشير إلى أن مفهوم العنف يعني: (كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً، وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية).

وإن حُددت الكثير من الأيام والمناسبات للوقوف في وجه العنف ضد النساء، ومناهضة التمييز ضدهن، إلا أن الملاحظ في معظمها هو تضمين تهمة ممارسة العنف على الرجال والمنظومة البطريركية والدينية في المجتمع، وهذا قد لا يُختلف عليه، ولكن ما يتوجب البحث فيه هو تمثل جزء مهم من نساء المجتمع لهذه المنظومة وتكريسها وممارسة العنف على بنات جنسهن.

تقول سناء (40 عاماً، تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية): (لطالما فضّلت أن يكون مديري في العمل رجلاً وليس امرأة، لأنه، حسب تجربتي، يكون أكثر تفهماً واحتراماً لظروفي). تؤكد منى وجهة نظر زميلتها وتضيف: (أستغرب عدم تقدير ظروف النساء من قبل بعض نساء أخريات، فالمرأة التي عانت كثيراً لتصل إلى منصب معين، تضع العراقيل نفسها التي واجهتها في طريق امرأة أخرى، وكأنها تنتقم منها!).

هل يمكن القول إن المرأة تتماهى مع مستبدها ومع السلطة التي تضطهدها؟

لن نجزم بالإجابة التي تحتاج جهداً بحثياً موسعاً لا مكان له في مقال صغير، ولكن تقترب المشاهدات من تأكيد هذه الفكرة، وأبرز مثال يوضح هذا، هو تغير مفاهيم وقناعات كثير من النساء المناهضات لقيم مجتمعهن الذكورية، حين يصبحن أمهات لفتيات يقاومن أيضاً هذه المنظومة، إذ تنبري العديد من الأمهات إلى تبني القيم التي قاومنها سابقاً ويدافعن عنها محاولات إلزام بناتهن لها، بحجج واهية لم يكنّ يقتنعن بها سابقاً.

ما الذي يتغير إذاً؟ كيف تمارس امرأة عانت تمييزاً وعنفاً بسبب جنسها العنف نفسه على ابنتها؟

وهل ممارسة هذا العنف ضد زوجة الابن مثلاً له مبرراته؟ وكيف بممارسة العنف ضد زميلاتها في العمل؟ أهي الغيرة؟ مشاعر النقص؟ ضعف الثقة بالنفس؟ أم كل ما سبق يضاف إليه أسباب أخرى؟!

تعلق شهد (36 عاماً، وموظفة في قطاع خاص)، على هذا الموضع قائلة: (أكثر ما يسيء ويدعو للدهشة، أن تقوم امرأة قاومت كل المنظومات التي تضطهد المرأة حولها وعاشت حياتها بالشكل الذي تختاره، لنجدها في لحظة ما تعنّف امرأة أخرى مستندة إلى معايير كانت قد رفضتها مسبقاً!).

المنافسة في العمل، والتسابق للحصول على الإعجاب وتحقيق النجاح، أمر شائع بين كثيرين نساءً ورجالاً، وقد يدافع بعضهم عن هذه الثقافة التنافسية، ولكن اتخاذ الجنس وسيلة للحد والتقليل من نجاح (المنافسة المرأة الأخرى) هو ما يجب الوقوف في وجهه.

العنف ثقافة تتشربها الذات من خلال التربية، ولمناهضته ورفضه لابد من تربية عميقة تسانده وتدعمه، ليكون السلام هو الثقافة البديلة والتي يجب العمل على ترسيخها وتكريس الجهود من أجل تحقيقها ونشرها.

العدد 1107 - 22/5/2024