الفن والواجب الوطني

تابعنا في الآونة الأخيرة عبر شاشات التلفزة وعلى صفحات الصحف تغطية إعلامية هائلة للعرض المسرحي (الطريق إلى الشمس) الذي أقيم على خشبة مسرح الأوبرا في الخامس من شهر أيار واستمرَّ لثلاثة أيام. وكان العرض برعاية كلٍّ من وزارتي الإعلام والثقافة، ومثل هذا التعاون خطوة إيجابية ننتظر المزيد منها. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا.. هل كل عمل فني وطني هو عمل مقدس؟ أليس هناك دوماً الحسن والأحسن؟ هل يكفي أن تتناول قصيدة ما مجد الشام أو حلب، حتى تصبح نصاً عظيماً أو ناجحاً وهاماً؟ ألا يجب توجيه النقد الموضوعي إلى الشعر الوطني وأي عمل فني ذي رسالة وطنية أكثر من غيرهِ، كون الوطن أسمى مانملك؟

 ألا ينبغي أن نشحذ أدواتنا الفنيّة ونرتقي بها حين نقرر أن نتناولهُ ضمن طرحٍ ما، خاصة أننا في مرحلة حساسة؟

لفت نظري ما قاله مخرج العمل ممدوح الأطرش في المؤتمر الصحفي، الذي أقيم قبل انتهاء فترة العرض، إذ حكم الأطرش على عرضه المسرحي بأنه إنجازٌ عظيم حتى قبل أن يعرض، بل لا توجد مفردة واحدة تختزل الأحكام التي أطلقها الأطرش على عمله الفني، ذلك أننا لا نجد أحداً ينتج شيئاً ثم يحكم عليه بنفسه، فالحُكم دوماً للنقاد والجمهور، أما أن تكون المنتج للعمل الفني وتحكم عليه عوضاً عن المُتلقي، فهذه سابقة في تاريخ المؤتمرات الصحفية التي تقام حول الأعمال الفنية.

(كل غنية فيها، بتحكي عن ألف حكاية وحكاية، وكل ضحكة صورناها كلمة، وكل آه صارت جملة، وكل حبة من حبات التراب جمعناها حبة حبة وعملنا منها مسرحية)

ثم تلت هذه الكلمات، عباراتٌ مشحونة بالعاطفة تنم عن حُبّ الأطرش لسورية وتعلقه بها، ثم أردف الأطرش قائلاً :

(كلمتنا الفنية تصل إلى قلب المتفرج وعقلهِ).

وكان لي لقاءٌ بعددٍ من الشخصيات الفنية والثقافية عقب العرض،  رفض معظمها إبداء رأي يثري فيه مادتي الصحفية، وعادة تكون المُعجزة (حسب وصف الأطرش لعمله الفني) محور حديث الناس، مما جعلني أتعجب من إحجام العديد من الفنانين عن إبداء رأيهم.

وسط هذا الطوفان من التغطية الإعلامية التي لم تعدُ كونها توصيفية، لعرض (الطريق إلى الشمس)، والذي كلف الدولة ثروة مالية، كان لابد من وقفة نقدية موضوعية لهذا العرض الذي رصدت له أكبر ميزانية في تاريخ المسرح السوري.وفي هذا السياق صرحَّ المخرج هشام فرعون قائلاً :

(هو عرض سينوغرافيا بامتياز، ولفت نظري غياب بطلة العمل نورا فهي لم تحقق الحضور الذي كان متوقعاً من فنانة صاحبة رصيد من التجارب الناجحة.

وقد كان جلياً الخلل في (ميزانسيه) العمل، و غابت عن العرض الرموز المسرحية باستثناء السينوغرافيا، وكان هناك أخطاء تقنية كتوقيت الإطفاء والإنارة،والتأخر في إطلاق جهاز الدخان، فلم يحقق الدخان التزامن الصحيح مع الإضاءة، وفي المجمل لم يقدم هذا العمل المسرحي أي جديد من حيث الطرح، مما جعلهُ يبدو لي كنشرة أخبار فنية).

أما موسى أسود (أستاذ مادة النقد في المعهد العالي للفنون)، فقد اكتفى بقول: (كان بالإمكان قطعاً تقديم ماهو أفضل بناءً على الميزانية الهائلة التي رصدت لهذا العمل).

أما الأديب و الناقد سامر منصور فرأى أن العمل يحمل بصمات إخراجية هامة وأشاد بما تم إنجازه على صعيد السينوغرافيا، ورأى أن المَشاهد لم تكن جميعها على السوية ذاتها في هذين المجالين، وعاب على العرض المباشرة في الطرح، وانتقد التزامن في الجملة الحركية للراقصين، و رأى في عرض (الطريق إلى الشمس) ككل.. محاولةً لاستنساخ التجربة اللبنانية فيما يخص هذا النوع من العروض الغنائية الراقصة ذات الطابع الملحمي.

أما المسرحي يوسف عكّاري فقد انتقد أداء الفرقة الراقصة أيضاً، فقال: إن الراقصين لم ينجحوا في التحرك ضمن المساحة الضوئية المخصصة لكل واحدٍ منهم. وانتقد ظهور ضوء باستمرار من خلف الكواليس لا علاقة له بالعرض، مما أدى إلى تشتيت انتباه الجمهور.

العدد 1105 - 01/5/2024