حقوق المرأة وكرامتها في أعمال نوال السعداوي

نشرت بعض الصحف الأسبوع الماضي خبر وفاة الطبيبة والكاتبة المصرية المعروفة. د. نوال السعداوي. وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخبر بأسف بالغ واحترام شديدين. إلا أن بعض الأوساط الإسلامية التكفيرية وبعض المثقفين الرجعيين اعتبروا أن الله خلصهم من عفن مزمن. وقد جاء الرد سريعا بنفي شائعة الموت وبالتعليق التالي:

(من المخجل أن نرى أناس يشعرون بنشوه من شدة الفرح عند سماعهم إشاعة موت شخص ما. ويعتبرونه عفناً من الله لأنها دعت الفتيات المنقبات وغير المقتنعات بالحجاب لخلعه والتخلص منه. نوال بصحة جيدة. وما زالت تكمل مسيرتها التنويرية، وعندما ترحل هناك الكثير من سيحمل راية التنوير من بعدها لإخراج هذه المجتمعات من مستنقع العفن الفكري الذي يعشش فيها. وشكراً).

ولدت د. نوال السعداوي في 27 تشرين الأول عام 1930  وهي طبيبة وناقدة وكاتبة وروائية مصرية. مدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص.

ولدت في كفر صلحة  محافظة القليوبية. تخرجت من كلية الطب جامعة القلب في كانون الأول 1954 وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة، وتخصصت في مجال الأمراض الصدرية. في عام 1955 عملت كطبيبة امتياز في القصر العيني. ثم فصلت بسبب آرائها وكتاباتها.

كانت متزوجة من د. شريف حتاتة وهو طبيب وروائي ماركسي. اعتقل في عهد الرئيس عبد الناصر.

وقد أثارت مؤلفات وآراء الدكتورة نوال السعداوي حول حقوق المرأة وقضايا أخرى جدلاً واسعاً على مدى العقود الأربعة الماضية، فلم تتوقف منذ 60 عاماً عن الكتابة لرفع الوعي بقضية المرأة وحقوقها وكرامتها، رغم الحصار والمصادرة والتشويه، والتي كانت في تصاعد مستمر مع تصاعد القوى السياسية الدينية داخل الوطن وخارجه، ما جعل الكثيرات من الرائدات النسائية في العالم العربي يلجأن إلى الصمت أو التراجع أو السباحة مع التيار. أو ارتداء الحجاب والنقاب أو إنشاء جمعية إسلامية نسوية، أو مركز لإصدار فتاوى خاصة بالمرأة والجنس والحقوق الزوجية.

واستمرت د. نوال في نشر الوعي من خلال عملها كطبيبة أو في أعمالها السياسية والأدبية متوقدة شجاعة. وقد قرأت ما كتبته نوال السعداوي على امتداد أربعة أجيال متتالية حتى الآن.

أعمال د. سعداوي:

صدر لها أربعون كتاباً أعيد نشرها، وتُرجمت كتاباتها لأكثر من خمسة وثلاثين لغة. تدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير الإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى، في نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية.. من أعمالها: (أوراق حياتي)، (مذكراتي في سجن النساء)، (الوجه العاري للمرأة العربية 1974)، (مذكرات طبيبة 1960). (معركة جديدة في قضايا المرأة). (الحب في زمن النفط)، رواية (سقوط الإمام)..

في روايات د. نوال السعداوي شخصيات للرجل إنسانية جداً، الرجل إنسان وإنسان راق من الدرجة الأولى. وهناك نماذج رجالية نادرة في تحررها من الذكورة والأبوية ونادرة في العالم كله. وفي نصوصها الروائية نماذج من النساء لا تملك ذرة من الإنسانية. صحيح أن غضبها أو غضب شخصياتها النسائية لا سيما الفقيرات منهن يورثهن العبودية بصورة مرعبة.

تقول: يحدثنا التاريخ القديم عن نشوء النظام الطبقي الأبوي والنظام العبودي الذي أسس لهذه الفكرة، حيث ينظر إلى المرأة بصفتها جسداً ينقصه الرأس، (لا يعني أن المرأة مقطوعة الرأس) زوجها هو رأسها، تبقى المرأة ناقصة حتى تتزوج، حينها تصبح كاملة. لأن زوجها هو رأسها أي عقلها، هذا هو الأساس الفكري الفلسفي العقائدي للنظام الأبوي الطبقي الذي انعكس في الأديان والعقائد.

فالكتاب ا لمقدس يقول: (إن الله رأس الرجل).

والرجل رأس المرأة، لكنه هو كامل بدونها. وهذا سائد حتى اليوم ومنعكس في القوانين والثقافة والاجتماع والتربية والتعليم.

د. السعداوي تعارض فكرة التكامل وتؤمن أن المرأة إنسان كامل قائم بذاته ولذاته. فهي لا تعيش من أجل الرجل فقط كما أنه لا يعيش من أجلها. هي لا تكره الرجال بالمطلق، فهي أم وزوجة، هي ضد الرجل المتخلف وضد المرأة المتخلفة أيضاً، وضد النظام الأبوي الطبقي.

وحول ختان الإناث هي ضده، وذلك من منطلق كونها طبيبة تقول بصوت عالٍ إن كل الحقائق الطبية تقول: (إن قطع جزء من جسد الطفلة فيه خطورة شديدة، تاريخياً فكرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية وليس لها علاقة بالإسلام).

عارضت لبس النقاب والحجاب لأنها لا تعتبر المرأة عورة. فالأخلاق في سلوك المرأة وعملها، وليس في تغطية شعرها الذي يعد تزييفاً للأخلاق وتقول إنه: (لا بد أن ننظر إلى المرأة على أنها عقل).

وبالنسبة لفصل الدين عن الدولة تقول: لقد حدث ذلك بالفعل في بلاد عديدة وعندما يدخل الدين في السياسة لا يكون هناك نقاش وسيكون القتل مصير من يختلف معك. فعلى الدولة أن تحكم بقوانين مدنية فالدين حالة خاصة..

وحول الديمقراطية، تقول: (أنا لا أنتظر أن تأتي الديمقراطية من السماء بل يجب النضال م أجل تحقيقها).

نوال السعداوي لا تفصل أبداً بين تحرير المرأة وتحرير الوطن، فكتاباتها كلها تربط بين قضايا المرأة وعلاقاتها بالسياسة المحلية والدولية، والفكرة الأساسية في مؤلفاتها هو الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى ومن نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية.. وتضيف: (هناك خلط بين مفهوم حرية المرأة كإنسان بالدرجة الأولى والقيام بأعمال ليست مناسبة للمرأة).. وحول المساواة بين المرأة والرجل.. تقول:

(من قال إن المرأة يجب أن تكون مثل الرجل؟ ما أقوله: إن المرأة إنسانة لها جميع الحقوق. صحيح أن الرجل مستعبد والمرأة مستعبدة. لكن استعباد المرأة ضعف استعباد الرجل). و(أن جسد المرأة يعرض للاستهلاك في السوق السوداء حيث يعرض عليها إما تغطية جسدها أو تعريته. وهكذا أصبحت المرأة في هذه السوق من قبل التيارات الدينية التفكيرية المسيطرة).

ترفض قيام دولة دينية، وتطالب بفصل الدين عن الدولة، ولا تريد اعتبار الإسلام مصدراً للتشريعات.

تعرضت د. السعداوي بسبب آرائها إلى الاعتقال والتهديد والسجن في 6 سبتمبر 1981 كما تعرضت للنفي نتيجة لآرائها ومؤلفاتها. رفعت ضدها قضايا من قبل إسلاميين مثل قضية (الحسبة) للتفريق بينها وبين زوجها. ووجهت لها تهمة (ازدراء الأديان)، كما وضع اسمها على ما وصف بقائمة الموت للجماعات الإسلامية، فهُدِّدت بالقتل. كما رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 12 مايو 2008 إسقاط الجنسية المصرية عن الأديبة الكبيرة السعداوي في دعوى رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها المدافعة عن حقوق المرأة.

في عام 2005 أعلنت عن ترشيح نفسها للانتخابات الرئاسية، وقد اضطرت إلى مغادرة البلاد بعد تهديد الحكومة المصرية والتيارات الإسلامية المتشددة لها على خلفية مواقفها النضالية من أجل أن يعيش المواطن المصري بكرامة.  كما قدمت للمحاكمة هي وابنتها الكاتبة منى حلمي في إطار قضية عبرت فيها ابنتها عن رغبتها أن تحمل اسم أبيها وامها، وكذلك منع نشر خمسة من أعمالها، فشعرت بالتهديد من نظام يقدمها للمحاكمة مما شجعها على ترك الوطن الذي لم تفكر أبداً في مغادرته من قبل. وعندما خرجت من مصر كانت غاضبة من النخبة المصرية والعربية التي باعت نفسها لرجال المال والسلطة الذي يحكمون البلاد، تقول: (ليس غريباً أن تصمت تلك النخبة عندما تم تقديمي للمحاكمة بتهمة التكفير).

العدد 1104 - 24/4/2024