المطالبة القضائية بالعدالة الاجتماعية

باعتبار الدستور العقد السياسي والاجتماعي بين الشعب والسلطة، الذي يعكس حقوق الشعب الأساسية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويتأسس على الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في الخدمات الاجتماعية والحق في العمل والسكن اللائق والصحة والبيئة السليمة والرعاية الاجتماعية. ويفترض أن يرمي إلى محو الامتيازات الخاصة والفوارق المصطنعة بين أفراد المجتمع.

نجد أن الدستور كرس مفهوم العدالة الاجتماعية مبدأً دستورياً ملزماً للدولة. وهي مطلب إنساني أساسي في دولة الحق والقانون .وهي مفهوم محوري في أغلب الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والمذاهب الفكرية . وهي مبتغى أخلاقي وقانوني لأي مجتمع، وهذا ما كرسه الدستور السوري لعام 2012 في المادة 19 منه يقوم (المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترم مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامةالأنسانية لكل فرد). وأيضاً جاء في نص المادة /25 منه: (التعليم والصحة والخدمات الأجتماعية أركان أساسية لبناء المجتمع، وتعمل الدولة على تحقيق التنمية المتوازنة بين جميع مناطق الجمهورية العربية السورية).

ولأن العدالة الاجتماعية هي الهدف الذي ينشده الجميع، والتي تعني أن ينتفي الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة، والتي يغيب في ظلها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وتنعدم الفوارق غير المقبولة اجتماعياً بين الأفراد في جميع مناطق الدولة، والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة، فيعم الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، وتتحقق لأفراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم وإطلاق طاقاتهم من مكامنها، مما يسهم في خلق المناخ لتوظيف القدرات والطاقات، ما ينعكس على المجتمع بالنماء والتقدم المستدام.

فإشباع الحاجات الإنسانية مرتبط بالعدالة الاجتماعية وهو يقع على عاتق السلطة بالعمل على إعطاء كل ذي حق حقه، أي (المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص)، فاستحواذ بعض الفئات الاجتماعية على غالبية الفرص المتاحة وحرمان فئات أخرى منها يعد إخلالاً صارخاً بمبدأ العدالة الاجتماعية، ما يُضعف ارتباط المواطن بوطنه ويولّد لديه مشاعر الرفض، على الرغم من قيامه بواجباته ومسؤولياته الاجتماعية.

 

فلا يكفي النص في الدستور على الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل لا بد من الحماية القضائية والقانونية التي يجب أن يتولها النظام القانوني للدولة، بما يعكس أهميتها ومكانتها حقوقاً أساسية. والسبب في عدم الحماية القانونية والقضائية لها هو أنها لاتصلح أن تكون موضوعاً لأية دعوى أمام القضاء، لأنها تتعلق بقدرة الدولة المالية.

فالتكريس الدستوري لهذه الحقوق والنصوص المتضمنة لها تعد مجرد إطار للمشرع على نحو يظل المشرع متمتعاً بسلطة تقديرية واسعة في نطاق تنظيمها. وهذا يسمح بسن نصوص تأخذ ما أعطته نصوص أخرى .

ولتدارك هذا التقصير والنقص في التشريعات وترجمة الحقوق إلى واقع، على الدولة أن تتدخل إيجابياً لإيجاد الآليات الضرورية لتمثيل تلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية من خلال قائمة بها وإعطاء دور للقاضي للتأسيس عليها في أحكامه. وهذا يوجب تدخلاً إلزامياً لمجلس الشعب لوضعها موضع التنفيذ، حماية لفئات الشعب الأكثر ضعفاً وتهميشاً.

فالنص الدستوري على فكرة العدالة الاجتماعية غير كاف، وهذا ما أدى إلى وجود أزمات اجتماعية واقتصادية، لأنها لم تستطع تحقيق الحماية الاجتماعية المقصودة منها، فيجب أن تستثمر وتفرغ في حقوق اجتماعية مضمونة ومشمولة بالحماية الدستورية والقضائية، لأن كفالة الحق في التقاضي هو السبيل الوحيد لممارسة لقضاء لاختصاصاته الدستورية والقضائية، فهو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات، وحمايتها غاية النظام القانوني، ودونه يبقى القضاء مؤسسة معطلة عن مهامها المقدسة، وكفالة حق التقاضي تبعث في النفوس الرضا والإحساس المطمئن والإيمان بالعدل، والحرمان منه يبعث على الإحساس بالقلق والشعور بالظلم. فعل الدولة أن تكفل حق التقاضي أمام جميع المواطنين للمطالبة والدفاع عن جميع حقوقهم الدستورية بلا تمييز بين الحقوق السياسية والمدنية والبيئية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حفاظاً على السيادة الوطنية، وتفعيلاً لدور العدالة الدستورية التي يمكن بواسطتها للمحاكم التدخل في التشريعات المناهضة للعدالة الاجتماعية.

العدد 1105 - 01/5/2024