لماذا يكذب الرجل… وتبكي المرأة؟

كان أحد علماء الآثار ينقب في الأرض حينما عثر على مصباح قديم، وعندما أزاح الغبار عنه، خرج منه جنيٌّ وصاح: لقد حررتني، سـأحقق لك الأمنية التي ترغب. فكر عالم الآثار قليلاً ثم قال: أتمنى أن تبني لي جسراً بين إنجلترا وفرنسا! بدت أمارات الدهشة على الجني الذي قال متذمراً: لقد خرجت لتوي من المصباح ومازالت عضلاتي متشنجة، إضافة إلى ذلك هل تعلم المسافة بين إنجلترا وفرنسا؟ إن مطلبك مستحيل هندسياً! ابحث لك عن أمنية أخرى. فكر الرجل قليلاً ثم قال: أتمنى لو أستطيع أن أفهم كيف أتواصل مع النساء. شحب وجه الجني ثم سأل: هل تريد الجسر بحارة واحدة أم اثنتين؟

بهذه النكتة يبدأ الفصل المعنون بـ (طرق المرأة السرية في استخدام الكلمات) من كتاب (لماذا يكذب الرجل وتبكي المرأة) للمؤلفان الاستراليان آلان وباربارا بييز. والكتاب ليس الأول لهما، إذ اشتهرا بكتب أخرى تهتم بالعلاقات الإنسانية، وعلى وجه الخصوص العلاقة بين الرجل والمرأة من حيث هما كائنان مختلفان، وطرق تقريب مسافة التفاهم بدراسة هذه الاختلافات بدلاً من تجاهلها. ويتطرق الكتاب بالشرح للعديد من النقاط التي لا يستطيع معظم الناس استيعابها، مثل ولع النساء بشراء وسائل الزينة أو ولع الرجال بمشاهدة المباريات. ثم يعرض بالتفصيل وبأسلوب فكاهي طريف الأشياء السبعة التي يقوم بها الرجال وتدفع النساء للجنون معتمداً على القصة التاريخية الشهيرة حول الحكماء الثلاثة الذين اتبعوا نجماً في السماء للوصول إلى مكان أمّ على وشك الولادة، وقد أحضروا معهم هدايا من الذهب والبخور والصمغ، ليعتبر القصة تمثل بالنسبة للنساء أهم الصفات المميزة للرجال والتي تثير حنقهن، إذ افترض هؤلاء الرجال أولاً أن النجم اتخذ هذا الموقع من السماء ليرشدهم إلى الطريق، وثانياً: لم يتمكنوا من الوصول إلى المكان الذي ولد به الطفل إلا بعد شهرين من الحدث، وذلك على الأرجح لأنهم رفضوا التوقف للسؤال عن الاتجاهات، وثالثاً: ماذا يريد طفل حديث الولادة وأمه المنهكة من هدايا الذهب والبخور والصمغ؟ وأخيراً: ثلاثة رجال حكماء؟ من سبق له أن سمع عن ثلاثة رجال حكماء؟!

ثم يقول: وتخيل الآن لو أن أبطال القصة كانوا ثلاث سيدات حكيمات.  ثم يتحدث الكتاب عن أكثر الصفات المزعجة في الرجال مثل عادة التنقل بين قنوات التلفاز بجهاز التحكم عن بعد، وعادة إسداء النصائح، وحب النكات البذيئة، وكراهية التسوق، ورفض السؤال عن الطريق. وفي فصل آخر يعرض مشكلة (التذمر) وهي المصطلح الذي يستخدمه الرجال دائماً لوصف النساء، ويقدم بعض الحلول للطرفين: المتذمر والضحية، أما عن سؤال (لماذا تبكي المرأة) فالكتاب يدرس الحالة من حيث أهميتها لهذا الكائن كوسيلة لغسل العين وتخفيف حدة التوتر والتعبير عن الانفعالات، الأمر الذي يتناسب مع غزارة الاستجابات العاطفية في مخ المرأة، مع التلميح إلى قدرة المرأة على استعماله وسيلة للابتزاز العاطفي. بينما على الجهة الأخرى نجد أن الرجل يلجأ إلى إطلاق النكات بشأن الأحداث المأساوية، كونها وسيلة تواصل فعالة في فترة الكوارث، وهنا يكمن الفارق بين الرجال والنساء في القضايا العاطفية الخطيرة، إلا أن النتيجة في النهاية واحدة، إذ إن للضحك والبكاء تأثيرهما المهدئ للجسم، إضافة إلى تقوية الجهاز المناعي. وحول موضوع الكذب يتحدث الكتاب عن هذه الحالة باعتبارها من الأمور التي تبدو سائدة في الحياة بصورة أو بأخرى، إذ يؤكد أنه لا يوجد شخص لا يكذب، ومعظم الناس تلجأ إلى الكذب كوسيلة للتعايش مع غيرهم دون عنف أو مشاعر عدائية، مؤكداً أن الأعداء فقط من يقولون الحقيقة، أما الأصدقاء والأحباء فهم لا يتوقفون عن الكذب بدافع الواجب والإخلاص. مع الإشارة إلى أنواع الكذب، كالكذب الأبيض والكذب المفيد والكذب الخبيث  والكذب بهدف الخداع. ثم يطرح سؤاله: من الأكثر كذباً الرجال أم النساء؟ ليقدم الإجابة بأن الرجال والنساء يكذبون بالقدر نفسه، أما الاختلاف بينهم فيكمن في محتوى ومضمون أكاذيبهم، فالنساء يكذبن ليجعلن الآخرين يشعرون بشعور أفضل، أما الرجال فيكذبون لتحسين صورتهم في أعين الآخرين، وهم يحبون الكذب بشأن مدى روعة حياتهم في مرحلة شبابهم وكم كانت زاخرة بالمغامرات. أما ما يجعل الرجل متهماً بأنه يكذب أكثر من المرأة، فهو قدرة المرأة الهائلة على فك طلاسم لغة الجسم ونبرات الصوت، مما يؤدي إلى سهولة  ضبط الرجل وهو يكذب، فيبدو الأمر وكأن الرجال يكذبون أكثر من النساء، ولكن كل ما هنالك أنهم كثيراً ما يضبطون متلبسين بالكذب. أما سبب تمتع المرأة بهذه المهارة الفائقة في كشف الأكاذيب فهو أن المخ الأنثوي قد تطور لخدمة التواصل مع الآخرين، بينما المخ الذكري تطور لخدمة الأغراض المكانية، وهذه المقدرة الإدراكية الفذة لدى المرأة تخدم غرضاً محدداً هو الدفاع عن عشها ضد الأغراب والتواصل مع أطفالها، كما أن عقل المرأة  يسمح لها بتتبع أكثر من موضوع في وقت واحد، حتى تستطيع التعامل مع أكبر قدر من المعلومات في الوقت ذاته، وهذا يكسب المرأة ميزة إضافية وهي القدرة على  قراءة وتفسير الإشارات الجسدية والاستماع إلى ما يقال بينما تتحدث في الوقت نفسه، وهذه الموهبة يجري تعليمها لعملاء الاستخبارات وتسمى تحليل (التعبيرات متناهية الصغر) وهم يقومون بهذه العملية التحليلية باستخدام كاميرات الحركة البطيئة. على سبيل المثال: فقد أظهرت هذه الكاميرات أن الرئيس السابق بيل كلينتون قد اعتاد أن يقطب جبينه لجزء من الثانية قبل أن يجيب عن أية أسئلة بخصوص (مونيكا لوينسكي). وبهذا الخصوص يقدم  الكتاب بطريقته الهزلية الممتعة نصيحة  للرجال: لا تضيع وقتك في الكذب على امرأة وجهاً لوجه، والأفضل أن تتصل بها هاتفياً أو ترسل لها رسالة غبر شبكة الانترنت، فالنساء لا يمتلكن فقط قدرة فائقة على كشف الكذب، ولكنهن أيضاً يستطعن تذكّر كل الأكاذيب واستخدامها ذريعة في الشجارات المستقبلية.

وفي فصوله الأخرى يتطرق الكتاب إلى مواضيع أخرى مختلفة، كموضوع عوامل الجاذبية لدى الرجال والنساء، والتفسير العلمي لها من حيث أنها عبارة عن إشارة إلى أن الانجذاب يحدث على المستوى البيولوجي حينما تعكس المرأة صفات وخصائص تشير إلى الرجل بأنه يستطيع أن ينقل بنجاح جيناته إلى الجيل القادم من خلالها، أما بالنسبة للمرأة، فالرجل الجذاب من الناحية البيولوجية هو الذي يستطيع توفير الغذاء والأمان من أجلها في أثناء فترة رعايتها للأطفال، ولعل هذا ما يفسر سبب انجذاب النساء للرجال الأكبر سناً.

العدد 1105 - 01/5/2024