معلّمي

طالب القضاة والأطباء والمهندسون في ألمانيا بالمساواة بينهم وبين المعلمين في الرواتب، فردّت عليهم (ميركل): كيف أساويكم بمن علّموكم؟!

– وتحت رعاية نائب رئيس دولة الإمارات جرى تكريم الفائز بجائزة أفضل معلّم في العالم، والجائزة بقيمة مليون دولار، اسم الجائزة (فاركي جيمس) وستمنح للمعلّم الذي سيتم اختياره من بين المرشحين من أنحاء العالم كافة…

تحتل الصين المرتبة الأولى حسب دراسة أجريت عام 2013 بكونها أكثر من يكرّم المعلم ويبجله لما يقدمه للأجيال من معرفة ووقت وجهد..

والسوريون أيضاً يكرمون المعلم، يعطلون في عيده، يأتون له ببعض الهدايا، يكتبون له على السبورة: (قم للمعلم وفّه التبجيلا  كاد المعلم أن يكون رسولا)… وفي الصّف يعمل الطلاب جاهدين لنفي هذا الرسول والاستهزاء به وبمجادلته على أنه الأقل شأناً، وأنه لو كان ناجحاً في حياتهِ لما اختار التعليم مهنةً، فهي في بلادنا مهنة (تحصيل حاصل). لدينا كلية تربية، ورياض أطفال، ومعلّم صف وكان يوجد دار معلمات، لتهيئة المعلم على أكمل وجه، لكنهم نسوا حقوقه، فالمعلّم يأخذ أجراً قليلاً، وصار محروماً غالباً من عطلته الصيفية التي امتلأت بالمراقبات والتصحيح وما شابه. وهو محاسبٌ على أيام عطلته وإجازاته باليوم والساعات. لا يأخذ في نقابته تعويضاً كالأطباء والمهندسين والصيادلة.

يفقدُ المعلّم جوهر مهنته في بلادنا، فتقدير الطلاب والأهالي له صار قليلاً جداً، فالأهالي يتعاملون مع المعلّم على أنه عامل لديهم، وأن من واجبه أن يدلل طفلهم ويعلمه، فلا يوبخه، ولا يعاقبه، ولا يمسه بكلمة تؤذي شعوره، حتى لو كان مشاغباً أو مشاكساً أو عديم التهذيب، أو لا يهتم بدراسته أو لا يحترم من معه بالصف.. كل هذا مباح لابنهم وعلى الأستاذ أن يداريه ويستوعبه في شعب صفية تضم الواحدة منها أكثر من أربعين طالباً، معلم من واجبه التكلّم والشرح لأكثر من 5 ساعات متواصلة في النهار، واقفاً – متأهباً – ملقياً لمعلوماته الجديدة – مركزاً مع الطلاب – جاهداً في منزله بين تحضير اليوم الثاني من جهة، وترتيب أمور منزله وأطفاله من جهةٍ ثانية – متحملاً ظروف الحياة القاسية – آتياً إلى العمل رغم القذائف والصواريخ والموت…. كلّ هذا وعليه أيضاً أن يحتمل دلال الأهل لأطفالهم.. فصاروا يوبخونه ويهزأون منه ويشتكون عليه للجهات العليا… صار الرسول منبوذاً في بلادي، كالعادة.

نعم هناك نقابة معلمين، هناك تأمين صحي لهم… لكنهم أيضاً يحتاجون التقدير. فراتب المعلم أقل من أن يكون راتباً يقدّم لباني أجيال. كيف سيكون مرتاحاً وهو الذي يكاد يؤمّن لقمة عيشه، وقوت أسرته، وأمان حياته؟ كيف سيكون معتزاً بمهنته وليست هناك قوانين تقف لصالحه؟ طبعاً نحن لا ننكر أن هناك معلمين قد سقطت الرسالة عنهم لسوء تصرفاتهم، لكن لكل سببٍ مسبب. الفقر ظلم، قلة التقدير ظلم، قلة الاحترام ظلم، سوء المعاملة ظلم.. وكثرة الظلم تصنع كفر، الكفر الذي أسقط الرسالة عن بعض الضعفاء. لكن، ولو كانت نقابة المعلمين ووزراء التربية والمسؤولين سنداً لهذا المعلم، وأذناً مصغية، ومراقباً حكيماً لما ساء التعليم والعلم والمعلم وأحواله.

بتنا لا نسمع من الطلاب اليوم إلا ماذا فعلوا لأساتذتهم، وكيف أضحكوا الصف عليهم، وكيف أتى أولياؤهم ليقتصوا من معلمهم أكبر اقتصاص… يجري هذا اليوم بعد أن سمعنا من أهالينا عن حبهم وتقديرهم وخجلهم أمام أساتذتهم.

أجيالٌ تمرّ، أجيالٌ ستهدّم، أجيالٌ ستبني… كلها بيد المعلم. والمعلم في بلدنا بيد الله.

العدد 1105 - 01/5/2024