الغضب

مليئةٌ هي حياتنا بالكثير من المشاعر المتناقضة من فرحٍ وحزنٍ واكتئابٍ وتفاؤلٍ وهدوءٍ وغضبٍ.. ذلك الغضب الذي ربما يكسر قلوباً أو ثقةً أو احتراماً أو حتى نفوساً، لذا علينا ضبطه ككل المشاعر الأخرى التي يجب أن نكون متوازنين فيها، فلا نبالغ في الفرح مثلاً ولا حتى في الحزن، بل نكون واعين تماماً للحالة الشعورية التي نعيش ضمنها.

 ضبط المشاعر الذي لا يعني تناسيها أو تحريمها على أنفسنا، بل هي أن نعرف كيف ومتى نضبط الانفعالات الزائدة إن تواجدت، وخصوصاً أمام الشخص الذي يحمل عكس مشاعرنا تماماً، فلا نكتئب كثيراً أمام المتفائل فنرسل له من اكتئابنا وتشاؤمنا..

موضوعنا اليوم عن الغضب، الذي نخسر بوجوده الكثير إن لم نعرف إدارته.

الغضب هو الشعور الذي يتولد لدى الكائنات الحيّة بسبب حدث ما أو سلوك ما، فيكون على شكل ردة فعل مباشرة. ويكون عند الإنسان إما كغضبٍ مفاجئ، أو كردة فعل على استفزاز معين أو تهديد موجود. وهناك نوع آخر وهو الذي يتمثل بطبع الإنسان نفسه فيبقى عابساً. وهناك غضبٌ مزاجيّ أو انتقامي فنجد الشخص يضرب أو يدمر الأشياء أو يشتم.

المشكلة في الغضب هي نتائجه النفسية، والجسدية المتجسّدة بتعب الجسد، ومن ثمّ بعض الأمراض، كمرض القلب، أو الجهاز الهضمي، أو في الأعصاب. ويكون أيضا هناك خطورةً اجتماعية، حيث يفقد الغاضب ثقة المحيطين به، بسبب تهوره و حدّته، ولن يكون بنظرهم أهلاً لتحمّل المشكلة بسبب عدم قدرته على السيطرة على غضبه.

كيف علينا أن نواجه هذه المشكلة، وكيف علينا أن نجتازها قدر الإمكان؟

 أول خطوات مواجهة الغضب هي أن تعترف بأن لديك هذه المشكلة أصلاً، ويفضل أن تخبرها للمقربين إليك في العائلة والعمل والأصدقاء. حاول أن تعرف ما هو الشيء الذي أغضبك كخطوةٍ أولية، وهل يستحق الغضب فعلاً أم لا. تذكّر دوماً أن الذي تغضب عليه هو شخصٌ مثلك، ليس من حقّك الصراخ عليه أولاً، وأما ثانياً، فعليك أن تضع نفسك مكانه، فما تقبله لنفسك اقبله له. كما أن عليك أن تُبسّط سبب ثورتك، فتصنع من سبب غضبك سخرية وأضحوكة، وتضحك على طريقة غضبك، لتجد أن ما يغضبك هو شيء لا يستحق كل ذلك الهيجان.

حاول أن تمسك نفسك عن الغضب، أن تسأل نفسك لماذا أنا غاضب، ولماذا أصرخ، وماذا سأستفيد؟ حاول أن توقف نفسك، وابتعد عن سبب الغضب، وحاول قبل أن تتكلم بعصبية أن تعدّ للعشرة، الفكرة من العد هي أن تضبط كلماتك قبل أن تقولها فتندم عليها، أو تؤذي نفسك أو من حولك بها.

 اذهب إلى مكانٍ هادئٍ يجعلك تسترخي وتُهدئ أعصابك. الرياضة هي من الأمور التي تُعتبر دواءٌ لكلِّ داء، فعليك بها، وبدل أن تغضب، اذهب وامشِ مثلاً في حديقة، أو العب على أجهزة رياضية، أو مارس بعض الأنشطة الأخرى التي من الممكن أن تُبعدك ما أمكّن عن الغضب أو تُخفف من حدّته. 

تأكد من معلومة أن من يغضب سيفقد ثقة الآخرين به، وسيكون عرضةً للسخرية وللاستفزاز السريع، لذا لا تقبل أن يكون الاستفزاز هو مفتاح الآخرين لتهييج ثورة الغضب لديك. كن هادئاً، اضبط أعصابك، ابتسم كالمنتصر بدل أن تكون عابساً ومكفهر الوجه وصارخ اللسان. حاول ألا تقاطع الآخرين وتغضب قبل أن تعلم ماذا يريدون فعلاً، بل انصت لهم للنهاية علّهم يقصدون شيئاً ما آخر، وربّما لم يستطيعوا إيصال الفكرة إليك بطريقة صحيحة، وربما فعلاً هم قاصدون إيذاءك، فحينها ستكون قد ضبطت أعصابك للنهاية وجمّعت أفكارك وستجيبهم بما هو مناسبٌ تماماً، فتأخذ حقّك بطريقة مناسبة دون صراخٍ أو مفرداتٍ نابية وعشوائية ولا هدف لها، بل ستكون مدروسة ومصيبةً للهدف.

حاول أن تبتعد عن العدوانية، فالحوار هو أسلوب البشر، والنقاش دليل حضارة، والقتال والصراع والغضب والهجوم والشتم هي من أسباب الضعف لا القوة، ومن أسباب العشوائية لا الحكمة، ومن الخسارة لا الربح.

كن رابحاً لصحتك، لأسرتك، لعملك ولمجتمعك، كن رابحاً لقلبك ولمعدتك ولأعصابك، كن منتقياً لكلماتك الهادفة، وكن أهلاً للثقة، ومثالاً للمفاوض والإنسان القادر على التواصل مع الجميع، والقادر على التواجد في كافة الحالات فيخرج منتصراً بحكمته.

علينا أن نعلّم الأطفال ثقافة السيطرة على الغضب، بأن نعلمهم الرقّة في التعامل، وأن يتعلموا التعاون والمسامحة والمغفرة قدر المستطاع. دعونا نبدأ بتدريبهم من جهة، والتدرّب معهم من جهةٍ أخرى، خاصةً أن حالتنا في هذه السنوات العصيبة تتطلب منا الكثير من التروي وتحمّل بعضنا، والكثير من المحبة والعفو. فاليوم لنا، وأما الغد ففي عالم الغيب.

العدد 1105 - 01/5/2024