القانون هل يحمي العامل من شريعة الغاب

العمال هم بناة الحضارات الإنسانية وأوابدها، بناة الحاضر وصناع المستقبل، على أكتافهم وبسواعدهم دُفعت عجلة التقدم بالعمران والإنتاج، والنهوض بمقدرات البلد.  فهم النواة والأداة الربحية لكل مشروع يقوم به أرباب العمل، والذي يُقاس النجاح فيه بمقدار أرباحه.

هم في صراع دائم مع أرباب العمل باعتبارهم الطرف الأضعف والمهمّش، حيث قادتهم ظروف الحياة الصعبة للعمل تحت رحمتهم في ظل اضطهاد وتعسّف وظلم لعامل يحلم بأجر يساعده على سد رمق بطون جائعة ومتطلبات معيشية لا حصر لها.

وباعتبار حق العمل جزءاً من المنظومة العالمية لحقوق الإنسان والتي أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان منظمة العمل الدولية للمبادئ والحقوق الأساسية في العمل، والذي يتحتّم بموجبه على الدولة الالتزام باحترام وحماية وكفالة الحصول عليه لكل شخص لكسب الرزق.

وقد أكّد عليه الدستور السوري على حق العمل في المادة 40 منه، حيث نص على: 1- العمل حق لكل مواطن و واجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.

2- لكل عامل أجر عادل حسب نوعية الأجر ومردوده على إلا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها.

  3- تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال.

 وانسجاماً أيضا مع أحكام اتفاقية العمل الدولية الخاصة بعدم التمييز، واتفاقية العمل الدولية المتعلقة بالمساواة في الأجور جاءت المادة 33 من الدستور، والتي نصّت على تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، ومبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة في الأجور دون التمييز على أساس الجنس.

وعملاً على تحقيق التنمية البشرية والاستثمار في الإنسان كفرد وجزء من المجتمع لرفع معدلات النمو الحقيقي، وللحد من ارتفاع مستوى البطالة، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني وزيادة الدخل، عملت الدولة على تحسين شروط العمل وخلق فرص عمل جديدة تمكّن المواطنين من التمتع بحقوقهم الإنسانية الأساسية، بما فيها الحق بمستوى معيشي مقبول في ظل التطورات المتسارعة الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية،  وذلك من خلال النهوض بالقطاع الخاص والحكومي وتطوير التشريعات الناظمة لذلك.

فالقطاع الخاص ذات طبيعة تجارية أو صناعية أو خدمية نظمه قانون العمل رقم 17 لعام 2010 الذي أراد المشرع السوري من خلاله تعزيز الحماية المقررة للعمال، وخلق حالة توازن بين طرفي معادلة العمل(العمال وأرباب العمل)، من خلال تحديد الحقوق والواجبات لكل من الطرفين، وذلك من خلال إعطاء العامل أجراً يتناسب مع كمية عمله، وتحديد ساعات العمل، ومنح العمال راحة أسبوعية وسنوية مع الأجر،  وتعويض خاص للعمل في حالات التسريح والعجز والطوارئ الناشئة عن العمل، وتحديد الشروط الخاصة بعمل النساء والأحداث، وخضوع المعامل للقواعد الصحية، وتنظيم نقابة ضمن حدود القانون.

 ولكن.. من يحمي هذه الفئة المجتمعية مع اتساع رقعة العمالة الفقيرة في ظل الأزمة الراهنة، والتهجير والنزوح الذي جعل غالبية العمال يقبلون بشروط عمل مجحفة بحقهم. وفي ظل غياب الأمان والاستقرار الوظيفي، وتدني معدلات الأجور، وغياب الحماية الاجتماعية، والعمل لساعات طويلة، مما أدى إلى اتساع رقعة الانتهاكات التي تمس حقوقهم العمالية والإنسانية المنصوص عليها في قانون العمل، والتي ساهمت في تفاقم طمع وجشع أرباب العمل الذين يسعى غالبيتهم للتحلّل من أي قيد أو ضوابط قانونية تحفظ حقوق العمال، وينتهكون أحكام قانون العمل والتأمينات الاجتماعية، ويستغلون ضعاف النفوس لإضعاف دور النقابيين وتجريدهم من أدواتهم الضاغطة وأهمها الإضراب. فالتسريح التعسفي شُرعن بالمادة 65 من قانون العمل ،17 والتي ألزمت صاحب العمل بالتعويض للعامل ولكنها بذات الوقت حرمتهم حق العودة للعمل.

وأيضاً قصور قانون العمل على إنفاذ العديد من الحقوق و المبادئ الأساسية في العمل، مثل حق وحرية التنظيم النقابي، مما انعكس على العاملين بالقطاع الخاص ومنعهم من تنظيم أنفسهم بالنقابات، مع تراجع شروط العمل وفشل النقابات العمالية في الدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم في ظل انتشار المحسوبيات والمحاباة والفساد بين النقابيين، وتخليهم عن القيام بجولات تفتيشية لاماكن العمل والتعرف على وضع العمال ومطالبهم ومعاناتهم. في حين أن على النقابيين إعداد برامج وتقارير سياسية واقتصادية تنظيمية وثقافية ومالية تلامس هموم العمال وواقع العمل لرفع الظلم وتحصيل الحقوق المعتدى عليها، والتصدي للمتغيرات الخطيرة في المجتمع. وذلك من خلال تفعيل دور اللجان النقابية باعتبارها صلة الوصل بين الطبقة العاملة واتحاد النقابات، وان تتحمل النقابات والاتحادات مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق ومطالب العمال، ووضع حد لانتهاكات أرباب العمل.

 ولتعزيز حماية هذه الطبقة المجتمعية، على وزارة العمل اتخاذ التدابير الإدارية والقانونية لإلزام أرباب العمل بتنفيذ أحكام قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية، والعمل على تحقيق الإصلاح الاقتصادي والإداري والتنمية الاقتصادية لزيادة الدخل الوطني، ومحاربة الفساد وتحسين مستوى معيشة العامل، إضافة إلى المساواة بين جميع القطاعات من حيث الزيادة الدورية على الجميع، وإلغاء عقود العمل المؤقتة ومحددة المدة، وإلزام جميع الشركات والمعامل في القطاع الخاص والمشترك بالانتساب للنقابات وتطبيق قانون التنظيم النقابي، وإلزام أصحاب العمل بتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية للحصول على معاش جيد بعد الوصول لسن التقاعد أو العجز، وكذلك تعديل قانون تنظيم نقابات العمال بما يتوافق مع مبادئ الدستور والمرحلة الراهنة والمستقبل، ووضع قانون حديث متطور من حيث العمل النقابي وان يتم اختيار الممثلين في المجالس الإدارية بناء على معيار كفاءة الشخص وليس عن طريق المحسوبيات.

العدد 1105 - 01/5/2024