وداعاً محمد البطل أيها الفلسطيني اليساري «الغاضب»!

 قبل أيام من رحيله، جلس محمد البطل أمامي في مقر الجريدة، وسألني دون مقدمات: المسائل التي يجب متابعتها في الصفحة السياسية متعددة وهامة.. ماذا تقترح عليّ للعدد القادم؟ فأجبته دون تردد: يارفيق محمد.. اكتب عن فلسطين.. هناك تمرد أوربي على الموقف الأمريكي تجاه الدولة الفلسطينية.. تابع المزاج السياسي الأوربي في هذه المسألة.. فقابل اقتراحي بارتياح ورضا، عبرت عنهما ابتسامة قلما لمحتها في وجه محمد البطل، وقال وهو يهمّ بالخروج من مكتبي للمرة الأخيرة، هكذا أنتم أيها الشيوعيون السوريون.. حملتم معنا هموم الفلسطينيين وأوجاعهم، وأحلامهم بالعودة وتكوين الدولة الحرة على الأرض الحرة.

قبل أن تتوطد علاقتي بمحمد البطل، أثار انتباهي وجومه الدائم، فهو لا يضحك، لا يبتسم حتى حين تتطلب المجاملة منه ذلك.. فسألته مرة: يا أخي لماذا أنت متحفز دائماً، وجهك ينم عن حالة غضب مستمر.. أخشى أن تفترسني يوماً؟ فأجاب بهدوء دون أن تتغير ملامحه (الغاضبة): أنا أحترمك كثيراً، بل أحبك، ولن أفترسك.. أما عن سحنتي، فهذا حديث طويل سأرويه لك يوماً.

لم يرو لي حديثه، لكني اكتشفت بعد ذلك، حين كلفت بالإشراف على الصفحة السياسية، وصار موعدي مع البطل أسبوعياً.. كل شيء خلف سحنته كان ضاحكاً، مشرقاً كصباح يوم حيفاوي صيفي.. إيمانه بحتمية انتصار فلسطين كان مشرقاً.. توحده مع شعبه المقيم والمشتت كان مشرقاً.. علاقاته مع الشيوعيين واليساريين في سورية كانت مخلصة ومشرقة.. احترامه لـ(النور) كان أكثر إشراقاً، ويطيح بكل مظاهر الغضب الخادعة في محياه.

سأفتقد شخصياً موعدي معك يوم السبت، وستفتقد (النور) زياراتك وكتاباتك، وسيفتقد الشعب الفلسطيني عاشقاً لهواء فلسطين، وشمسها، وترابها.. وسيفتقد حزبنا بغيابك صديقاً مخلصاً.

العدد 1105 - 01/5/2024