الشهيد.. بين الماضي والحاضر

لو أردنا تعريف الشهيد بالمطلق من وجهة نظر بشرية نقول: بأنه كل من دافع وضحى بحياته في سبيل فكرة معينة تهم الإنسانية جمعاء. فنفرق من تلك الناحية بين شهداء الوطن ،وشهداء العلم أو الفكر، ثم شهداء الدين(الله).

قدمت شعوب العالم ملايين الشهداء لتتحرر من براثن الاستعمار والاستبداد والدكتاتوريات، لأن الحرية والكرامة لا تستعاد إلا ببذل العمر والعرق والدم، وبما أن العالم يتقدم بخطا واسعة نحو الإنسانية! فالشهادة والشهيد بهذا المعنى يجب أن يصيرا من تاريخ الشعوب،وتراث تلك الإنسانية، إلاّ أن ما نراه اليوم يعدم الإنسانية ويتجه نحو همجية الفكرة.

وما بين شهداء الماضي وشهداء الحاضر نستعيد اليوم ذكراهم المقدسة ونعتذر منهم، ثم نأسف على حالنا المزري من جميع النواحي، ففي حين لم تعد تعرف بعض الدول مثل اليابان إلا شهداء البحوث العلمية كفعل تطبيقي تجريبي من أجل اكتشاف الجديد واختراعه، عدنا نحن إلى زمن القتل والشنق والموت تحت التعذيب، مرة باسم الوطن، ومرة باسم الدين وقت ينصّب الفاشيون الجدد أنفسهم وكلاء الله على الأرض، من منطلقات رجعية قضى عليها الدهر أكل وشرب.

وما بين ذكرى ماضية تحررنا بتضحياتها من براثن الاحتلال العثماني والفرنسي أو الإنكليزي، وذكرى حاضرة استعادت الاحتلال بأشكال عدة، ضاع كل ما كنا قد بدأنا به بعد منتصف القرن الماضي حين بدأت النهضة الفكرية والحملات التنويرية تأخذ دورها الفاعل في كل بلد، وكأن العالم لن يقبل دائماً إلا بوجود قطبين في كفتي ميزانه: القوي والضعيف،المتطور والمتخلف، الفقير والغني، المنتج والمستهلك.

وكي تحافظ الدول الكبرى على ثقلها النوعي، تحتاج إلى خفة أوزاننا وإلى ضعفنا، ولن تعدم وسيلة مباشرة وغير مباشرة تؤجج بها الصراعات في سبيل ذلك. كما يجزم البعض ضلوعها في تدبير الاغتيالات للعلماء بشكل خاص، والأمثلة على ذلك كثيرة في مصر والعراق، وسورية مؤخراً، فقد جرى اغتيال أربعة علماء منذ بدء الصراع فيها.

يربط ما بين شهيد الأمس وشهيد اليوم خيط وحيد هو خيط القناعة التامة بالفكرة، ما كان يعمل به أو يحارب من أجله عن وطن منهوب من كل الجهات.

وكل عام والشهداء هم المنارة التي تضيء لنا طريق المستقبل، هم الأيادي التي تهدّ الجدران والسدود التي تقف حائلاً أمام كل تغيير نحو الأفضل،هم الدماء التي تروي الأرض كي ينبت ربيع الحياة والإنسانية، هم صوت الحق الأقوى الذي يعلو ولا يُعلى عليه.

العدد 1107 - 22/5/2024