إنصاف المرأة في تشريعات العمل

يعتمد الاقتصاد البشري عموماً بشكل غير مباشر على مشاركة المرأة في العمل.

وقد ساهمت المرأة بما تملك من طاقات وإمكانات في بناء المجتمع وتنمية مقدراته، وساعدت على دفع عجلة التقدم الحضاري والنهوض الاجتماعي سواء في المجالات التعليمية والثقافية أو السياسة والاجتماعية.

 من هنا، يتمّ التعويل على المرأة أثناء مراحل التغيير والإصلاح في المجتمع، حين تتمتع شخصيتها بالعلم والمعرفة، وحين تُدرك بشكل واعٍ مسؤولياتها الحقيقية في أسرتها ومجتمعها.

ولأن العمل وسيلة لكسب لقمة العيش، وأهم طرق خدمة المجتمع، وتفعيل الطاقات الكامنة في الإنسان، علمياً ومهنياً، فلا فرق بين المرأة والرجل، لأن الكل مسؤول، وعلى الكل أن يتحمّل المسؤولية.

والمرأة عبر العصور شكّلت العمود الفقري في العمل الزراعي والحيواني، لذا نجد أن  المرأة السورية قد احتلت موقعاً اجتماعياً وإنسانياً وسياسياً مميزاً، لما لها من دور أساسي وفعّال في عملية التنمية المستدامة لبناء المجتمع، وكمكون أساسي من مكوناته. من هنا كان لا بدّ من وجود قوانين وتشريعات تنظم مشاركة الأفراد (رجالاً ونساء) في عملية البناء الاقتصادي للدولة والمجتمع.

لذا، تعتبر قوانين العمل من أهم القوانين، لأنها تعبير عن النهج السياسي للدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وترابطه مع اقتصاد البلد. فالعمل حق لكل فرد في المجتمع، وهذا ما أكده الدستور السوري الذي جاءت نصوصه بشكل عام غير تمييزية، فتعبير(المواطن) ينطبق على الرجل والمرأة على حد سواء، وقد نصت المادة 33منه على: (؟- المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم …………؟- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين).

وفيما يتعلق بالعمل، فقد نصت المادة 40 من الدستور على (؟- العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال ).

ولتعزيز دور المرأة في المجتمع، فقد خصّها الدستور بمادة تضمن لها المساهمة الفعّالة في مختلف جوانب الحياة، فقد نصت المادة /؟3 من الدستور السوري على: (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع ) .وهذا ما عزز وساهم في فسح المجال أمامها  للدخول في معترك الحياة بكل جوانبها.

وأيضاً، جاءت نصوص تشريعات العمل السورية عامة وغير تمييزية، ففي القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 بالمواد 1و7 حدد تسمية جميع العاملين تحت مسمى عامل، كما حدد الحقوق بين جميع العاملين، ووضعها بصيغة مرنة، وكذلك الأمر في قانون العمل رقم 17 في المادة الأولى منه، وفي المادة 6 من قانون تنظيم العلاقات الزراعية.

فالقانون الأساسي ساوى بين المرأة العاملة والرجل العامل في الحقوق والواجبات، كما أخذ بالحسبان إجازة الأمومة في المادة 53 منه، وساعة الرضاعة وغيرها مما يتعلق بحقوق خاصة للمرأة، اعتماداً على طبيعتها الصحية والجسمية، ولحماية الأمومة.ولم تُجز تلك التشريعات تشغيل النساء في الأعمال الضارة صحياً وأخلاقياً، وكذلك الأعمال الشاقة، كما منعت تشغيل المرأة ليلاً.

وأيضا كرّست قوانين العمل قاعدة الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين الرجل والمرأة انسجاماً مع اتفاقية العمل الدولية رقم 111 الخاصة بعدم التمييز واتفاقية العمل الدولية رقم 100 المتعلقة بالمساواة في الأجور التي صادقت عليها سورية.

غير أن القانون الأساسي للعاملين قد خلا من أي نص بخصوص المساواة في الأجر بين العمال والعاملات، لأن كلمة (عامل) تنطبق على كل من المرأة والرجل دون تمييز.

لذلك لا بدّ من النص صراحة في جميع القوانين على مبدأ تكافؤ الفرص ومنع التمييز في أي نوع كان، وعلى المساواة في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية دون تمييز قائم على الجنس، لأن قانون العمل رقم ،17 قد كرّس للأسف هذا المبدأ في المادتين ؟؟ و؟ منه.

كما يجب العمل على إزالة الاختلافات بين تشريعات العمل فيما يتعلق بحماية الأمومة، إذ لا يمنح كل من القانون الأساسي للعاملين في الدولة، وقانون العمل رقم 17 المرأة العاملة إجازة الأمومة إلا عن ثلاث ولادات فقط، بينما قانون العلاقات الزراعية لا يحدد عدد الولادات لمنح المرأة إجازة الأمومة، وهذا ما يتعارض مع أحكام الدستور والاتفاقية الدولية رقم ،183 لهذا وجب توحيد هذه التشريعات فيما يخص عدد الولادات، ومدة إجازة الأمومة، والإجازة التي تستحقها الأم العاملة لإرضاع طفلها والإجازة الإضافية .

صحيح أن تشريعات العمل دفعت وشجعت المرأة على دخول سوق العمل والانخراط والاستمرار فيه، إلاّ أن مبدأ المساواة مازال يصطدم بالواقع المتعلق بالعادات والتقاليد، والذي يؤثر سلباً على مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي الذي يستلزم منها تفعيل مهارتها المهنية، ومكتسباتها العلمية ضمن الأجواء التي تطور المجتمع وتدفعه نحو التقدم والارتقاء الأخلاقي، كي لا يلازمها الظلم الأزلي، فالأمر العاجل والضاغط في العالم، هو إزالة التمييز ضد المرأة في مجالات العمل

العدد 1105 - 01/5/2024